في عالم السياسة .. يقول دهاقنتها أنه ( لا صداقة دائمة .. ولا عداوة مستمرة .. وإنما هناك مصلحة دائمة )
ونعم .. قد يكون هذا مقبولا في المعادلة السياسية , وفي علاقات الدول , وتجاذباتها .. في خضم صراع القوة والمصالح
لكن .. ماذا لو انسحب هذا المنطق " الميكافيلي " على علاقات الناس العاديين .... وأقصد علاقات الأصدقاء .. علاقات الزملاء في العمل .. بل وحتى علاقات الأقارب (أرحامك , بنو عمك , اخوانك , أبناء خالك , عيال جماعتك ... الخ )
بحيث صارت (المصلحة) هي " مهر" علاقتك بهم .. ومن خلال قوة أو ضعف تلك المصلحة , يرتفع سقف الصداقة والحميمية والدفء بينك وبينهم - أو ينخفض .
أحد الأصدقاء جلس معي في مقهى بأحد المولات – قبل أيام - وكنا نتناول القهوة , وإذ به يثير هذا الموضوع الجدلي المدهش
لم أسأله عن التفاصيل .. وما إذا كان قد اكتوى بنار من (قلب له ظهر المجن) في عالم الصداقة الطاهر .. لأنني لم أرد أن أنكأ جراحه , وإن كان الكتاب يقرأ من عنوانه
تركته على سجيته يفضفض بهدوء .. فيما أنا أتظاهر بالتشاغل مع قدح القهوة , الذي لم أشعر حقيقية بمذاقه , من فرط ذهولي مما كان يتلوه صاحبي على مسامعي من - فاجعة
وأقول فاجعة .. لأن الصداقة بين الزملاء القدامى , وبين الأقارب خصوصا , عندما تتدهور .. ثم تنزلق إلى هذا الدرك الموحش .. فإن شرخا هائلا , يكون قد أصاب العلاقات الإنسانية في الصميم .
يا – الله ... ماذا أصاب عددا ليس قليلا من الناس ؟ ... الذين (غسلوا أيديهم ) من الصداقة الصافية , الصداقة النابعة من النبل , المرتكزة على الشيم وعلى الواجب و(الأصول) .
فعند أول موقف منك قد لا يكون مقصودا .. تجد صديقك أو قريبك الذي كنت تظن أنه رفيق الروح .. وقد انقلب عليك , وتحول - فجأة - إلى شخص أخر غير الذي كنت تعرف .
بل ربما يتحول إلى ... وحش , إلى عدو , إلى مترصد لك .. وتظل أنت مذهولا , لا تعرف ماذا تقول ؟
عندها ... تظهر الحقيقة المرّة بشحمها ولحمها .. فالواحد من أولئك ليس صديقك أطلاقا .. ليس شقيق روحك , ولا تؤام عمرك .
مثل ذاك المزيف .. هو صديق المصلحة , ورفيق المنفعة .. يضحك لك كذبا .. ويتودد لك زورا .. يتلون بكل ألوان الطيف , ويتوشح بكل ثياب النفاق والتزلف .
ويبقى أن نقول .. ألا يخجل ذلك (الصديق المزيف) من نفسه .. ألا يستحي ؟ .. خصوصا وقد انكشف داخله , واتضحت حقيقته .. وصار أضحوكة لهذا وذاك .. بعد أن باع نفسه بثمن بخس في سوق (المصلحة ) الكريه .