أحدهم يقرأ كتابًا فإذا به ينظر إلى زوجته وهي تنظف وترتب وبدون تردد وبكل عفوية يقوم بمساعدتها وهو لا يعلم لماذا فعل ذلك؟!..
وفجاة يبتسم وتسافر به ذاكرته عندما كان طفلاً لم يتجاوز الخامسة من عمره، عندما كان يرى والده يبادر بمساعدة والدته، فتخزنت هذه المشاعر والعواطف الجميلة في ذاكرته في مخزن الذاكرة العاطفية الموجود في الدماغ والذي يعرف ب (الأميجدالا Amygdala) وهي اللوزة الدماغية، التي تعتبر جزءًا من الدماغ وتتحكم في كل المشاعر والعواطف والسلوكيات، وتعتبر أيضًا نظام تنبيه و استشعار للمتعة.
كما أنها تكون مسؤولة عن الاستجابة السريعة لردود الأفعال المرتكزة على الشعور قبل التفكير وهو مايعرف ب ( الانفعال ما قبل الإدراك).
ولعل هذه المشاعر والعواطف الصادقة التي نمٓت بداخل هذا الطفل منذ الصغر، تعتبر مؤشرًا جيدًا على وجود بعض من مهارات الذكاء الاجتماعي لديه، والتي يجب على الوالدين تنميتها والاهتمام بها في الخمس سنوات الاولى من عمر الطفل، فعندما يكبر سيصبح شخصًا ناضجًا قادرًا على إدارة مشاعره والتحكم فيها بشكل إيجابي، وسيصبح ما يمتلكه من هذا المخزون العاطفي مرجعًا له طيلة حياته يستدل منه على كيفية التعامل مع ذاته ومع باقي الأشخاص من حوله، وهذا مايطلق عليه تحديدًا ب "الذكاء العاطفي".
وبحسب تعريف دانيال جولمان للذكاء العاطفي عام 1995م Emotional lntelligence هو:
"القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكـل سلـيم في علاقتنا مع الآخرين"..
فالذكاء العاطفي هو جزء من الذكاء الاجتماعي، وهو مهارة يجب تنميتها بالوعي الذاتي، ضبط الذات، التحفيز، والتعاطف مع الاخرين..
كما أشار دانيال جولمان إلى إن أهمية الذكاء العاطفي تُعادل ضعف أهمية الكفاءة المعرفية، حيث أشارت الدراسات أن حوالي ٨٠٪ من تفوق الأشخاص ونجاحاتهم في الحياة العلمية والإجتماعية ترجع نسبتها إلى الذكاء الاجتماعي، وال٢٠٪ المتبقية تعود نسبتها للذكاء الطبيعي، ولأن الذكاء العاطفي يُعد من الأسباب الأساسية للنجاح والتفوق في شتى مجالات الحياة، فقد بادرت اليونسكو في عام ٢٠٠٢ بالترويج للتعليم الاجتماعي والعاطفي على مستوى العالم..
ولاشك أن الذكاء العاطفي يُعتبر من أهم مواضيع وبرامج تطوير الذات والتنمية البشرية، وهو يشمل نواحي عديدة ومختلفة في كل مجالات الحياة، مما لا يسعني الحديث عنه في عدة أسطر، كما أن دوره بالغ الأهمية في مجالات القيادة وريادة الأعمال، ولعلنا نجد في كتاب الذكاء العاطفي لمؤلفه دانيال جولمان تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع.
لقد أصبح الذكاء العاطفي معيارًا عالي الجودة في انتقاء الشركة لموظفينها وترقيتهم، فهو يمكِّن الاشخاص من ضبط انفعالاتهم وإدارتها بطريقة مناسبة في الأوقات المناسبة.. يقول أرسطو:
(أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل.. ولكن أن تغضب من الشخص المناسب.. وفي الوقت المناسب.. وبالأسلوب المناسب.. فليس هذا بالأمر السهل).
فعلى الإنسان أن يكون واعيًا لذاته بالتقرب من مصدر سعادته وتجنب كل مايقلقه، فمعظم من فشلوا في إدارة مشاعرهم وعواطفهم في الحياة، تعرّضوا لمشاكل نفسية مثل الاكتئاب والعنف بل قد يتطور الأمر مع بعضهم لحد الإدمان، لذا يجب على الإنسان أن يكون إيجابيًا في تفكيره، فيسعى دومًا للتخلص من الأمور السلبية لتطوير ذاته وتحفيزها بكل ما هو جميل، ويحافظ على تواصله الجيد مع الاخرين، حتى يسهل عليه التحكم بمشاعره وإدارتها بطريقة إيجابية خاصة فيما يتعلق بمواجهته للمشاكل والصعوبات، وكيفية ضبط انفعالاته في أسوأ حالات الغضب والتوتر والصدمات النفسية، مما يضمن له حياة علمية وعملية واجتماعية ناجحة.