أسرٌ تُبنى وأخرى تُهدَم، وأبناءٌ يأتون إلى الدنيا ينشأون في كنف أبوين متحابين مترابطين، وعشٍّ يخيم عليه السكون وترفرف عليه السعادة، وما بين طرفة عينٍ وانتباهتها ينتهي الحب، وتنقطع العلاقة، ويتبعثر ذلك العش، ويضيع الأبناء ويلِجُون إلى عُتمة مستقبلٍ مجهول.
كيف لذلك أن يحدث؟!
وماهي الأسباب والدوافع؟!
كثيرٌ من تلك الأسباب قد وُضِع تحت عدسة المجهر، وسُلِّطت عليه الأضواء، ونوقش حتى ملَّه النقاش، إلا سببًا واحدًا ضعُف التطرق إليه، وسقط من القائمة سهوًا.
إنه الداء الفتاك، والسوسة التي تنخر جسد العلاقة الزوجية من الداخل إلى أن يخِرَّ ذلك الجسد أرضًا دون إشعارٍ أو سابق إنذار.
ذلكم هو الشك الذي يبدأ في أبسط صوره بالدخول خلسةً ودونما استئذان إلى أسرار الطرف الآخر، والتوغل في أغوارها، ثم يتنامى ويكبر إلى أن يصل إلى درجة تتبع أقل السقطات وأصغر الزلات، وخلال ذلك كله يشعر الطرف (المصاب بالمرض) بالزهو والفخر ونشوة الذكاء الذي حماه من الوقوع ضحيةً للغش والخداع والتضليل، ورمى المسكين وراء ظهره كل اعتبار لماضٍ جميل، ومستقبل حالمٍ يوشك - قبل البدء - على التبدد والرحيل.
ليس الذكاء أو التذاكي أسلوبًا للتعامل مع كل الأمور، هناك الكثير من أمور الحياة لابد فيها من تقديم مبدأ التغافل؛ ليستطيع المرء العيش والتعايش، والمحافظة على علاقاته بمن حوله.
الإنسان لم يُخلق ملاكًا طاهرًا خاليًا من الأخطاء والزلات، ولو نصَّبنا من أنفسنا - أزواجًا كنا أو زوجات - مراصد لرصد العثرات والزلات، فسرعان ما سنجد أنفسنا أمام امتلاء السلال بالغلات، وسرعان ما سنشعر بالتشبع والشبع إلى حد الاكتفاء، فتكون الخاتمة والنهاية ومع كل أسف عزوف وامتناع ورفض وإباء، وفراقٌ أول وأكبر ضحاياه هم الأبناء الأبرياء.
فمتى التعقل والنظر إلى الأمور من كل زواياها، وتحليل إيجابياتها وسلبياتها قبل الشروع في التعامل وإصدار الأحكام؟ ومتى يكون تطبيق التغافل؟ لتستمر رحلة الود، ويزهر في بستانه الورد.
عاجل
يوسف الشيخي

رحلة في أغوار الأسرار
Permanent link to this article: http://www.eshraqlife.net/articles/248393.html