خرجتُ من البيت وكعادتي ذهبت لأتمشى قليلاً في أرجاء مدينتي، وشاهدت في آخر الطريق شاباً في العشرين من عمره واضحُ عليه التعب، فاستوقفني فضولي عنده فسألته: ماذا بك أيها الشاب ؟ مالذي يشغلك؟
استغرب من شابٍ مثلك يحمل كل هذه الهموم الواضحة على وجهك!
أحببت أن أمازحه قليلاً فحاله لم يعجبني!
واستطردت في حديثي معه قائلا له : أنا الآن في الخمسين من عمري، وأكبر أمنياتي أن أعود شاباً مثلك يابني،
صدقني يابني لو كنت مكاني الآن وفي سني ستعرف جيداً بأن من أعظم النعم التي أنت فيها الآن هو سنك وشبابك!
فعندما كنت في شبابي وفي عمرك تحديداً لم أكن أحمل هماً سوى نفسي وكيفية إسعادها،
سافرت كثيراً وفعلت كل مايحلو لي دون أن أفكر،
الآن قد شخت ولازلت أسلي نفسي بالسفر والأشياء التي كنت أفعلها بالماضي كي لا أشعر بأنني قد كبرت،
صحيح أنني قد تزوجت وأنجبت أطفالاً وأصبحت بعدها أحمل هموماً على عاتقي ولكني أحاول دوماً أن أسلي نفسي،
فرد الشاب قائلا: ليست الدنيا كلها أسفار وليست أمنياتنا كلها كيفية إسعاد أنفسنا فقط،
فأنا كبرت ولم أشعر بوجود أبي بيننا أنا وأمي وإخوتي ، فقد كان مثلك ، بل وأنت تحدثني كأنك تتحدث عن أبي!
شد انتباهي حديث الشاب ثم سألته : من أنت؟ ما اسمك؟
فقال لي : أنا ضمير ابنك الأكبر ،
فابنك خَجِلاً منك أن يواجهك فأنت تضل أبوه ، واضطررت أن أواجهك بدلاً منه وأخبرك بما في نفسه تجاهك،
سؤالي لك؟ ماذا قدمت له ولأمه ولإخوته؟
ماذا فعلت غير أنك قمت بإطعامهم وكسوتهم كي لا يموتون جوعاً ولا يمشون عرياً؟ هل هذا يكفي؟
لو كنتَ فقيراً لما تمنوا ماليس لك به طاقة ! على الأقل ستضطر أن تصحبهم إلى القرية التي نشأت فيها وهنالك لن تكون الأمنيات كبيرة فالذين حولهم كلهم مثلهم!
ولكنك قمت باصطحابهم إلى هذه المدينة الكبيرة لتمارس هواياتك كيفما شئت ، وحفاظاً على مكانتك الكبيرة بين زملائك ومجتمعك فأنت تحب أن تظهر أمام الجميع بأنك الشخص المثالي في كل شيء! مع الرغم أن كل زملائك قاموا ببناء المنازل لعوائلهم وفعلوا كل شيء لهم كي لايحسون بالنقص!
وأنت ! كان همك الأكبر نفسك وإسعادها فقط ولكن ماذنب أولئك الذين ينتظرون منك الشيء الكثير كأب؟
استغرب أن تصل إلى هذا العمر ولم تندم بعد ! بل أنك تريد أن تعود لشبابك لتخطئ مرة أخرى!
متى ستعترف بهذا الخطأ كي على الأقل تناصح من هم مثلك مخطئون بحق أنفسهم وعوائلهم؟!
5 comments
Skip to comment form ↓
ابو هشام العمري
09/17/2018 at 6:58 م[3] Link to this comment
كلام كبير رائع يا استاذ دباج
كم نحن مقصرون بحق فلذات اكبادنا
غير معروف
09/17/2018 at 6:59 م[3] Link to this comment
كلام كبير رائع يا استاذ دباج
كم نحن مقصرون بحق فلذات اكبادنا
ابومحمد
09/17/2018 at 8:45 م[3] Link to this comment
مقال في قمة الروعه سلمت أبا اياد على هذه الكلمات الجميله التي تلامس الواقع
No18or
05/15/2021 at 8:04 م[3] Link to this comment
كنت اعتقد انك اسطوره بكرة القدم فقط !! اما الآن فقد تيقنت بأنك (everything)❤️ ماشاء الله
نور
05/15/2021 at 8:05 م[3] Link to this comment
كنت اعتقد انك اسطوره بكرة القدم فقط !! اما الآن فقد تيقنت بأنك (everything)❤️ ماشاء الله