يقول شاعر العرضة الجنوبية الشهير محمد بن دغيثر - رحمه الله :
(شرفك ربي على كل بن يا بُنّ شدانا .... حرم الله غيره ما شريت ولا اشربا)
.
كان البن أثيراً عند أهالي الباحة ولا زال .. ويبدو أن "بن" جبل شدا وما حوله , هو الأكثر حظوة لدى جمهرة عشاق القهوة وما أكثرهم , وخصوصا في الماضي .. قبل أن تجتاح الناس في هذا الزمن .... القهوة التركية , والفرنسية , والأمريكية , والموكا كراش , والإسبريسو , والكابتشينو ... وأخواتها .
.
وبن دغيثر كـ شاعر عندما يتحدث عن شيء ما .. فـ يُعلي من قدره , فإنما يتحدث بلسان ومشاعر بيئته وقومه .. ولذلك فقد رفع الشاعر - هنا في هذا البيت - من شأن بُنّ شدا .. وجعل له سقفا محلقا عاليا , لا يصل له أي نوع أخر من البن في الدنيا .
.
ونأتي إلى رمان بيده .. الذي تضخه بغزارة مزارع ذلك الوادي الزراعي الأخضر طيلة العام .. والأكثر شهرة في منطقة الباحة .. فإن أحد لا يشك في طعمه اللذيذ , ولا في صحة منهجية انضاجه , بعيدا عن المؤثرات الكيماوية ونحوها , فهو يسقى بماء زلال قادم من واحد من أكبر سدود المنطقة .
.
ذلك السد المهيب الرابض على مرمى البصر أمام عشرات حدائق الرمان .. التي راحت تتراص في انتظام عجيب , وتفترش الوادي فتزيده جمالا فوق جمال .. فوق ما للمكان وما حوله من جذور متينة تتصل - عراقة وبهاءً - بالتاريخ البعيد , حيث مغامرات وصولات وجولات (الشنفرى) ذلكم الشاعر الجاهلي العداء الفتاك .. والذي قيست قفزاته ليلة مقتله ، فكانت الواحدة منها قريبا من عشرين خطوة .
.
مهرجان الرمان الأخير الذي أقيمت نسخته السابعة مؤخرا , كان كرنفالا شعبيا فنيا ثقافيا اقتصاديا فخماً .. أكثر من كونه مجرد مكان يبيع فاكهة الرمان فقط للمشترين .. ووفّق المنظمون في اختيار موقعه , على فوهة الطريق المنحدر إلى وادي بيده , والمتفرع من طريق الجنوب الرئيسي , جنوبي بلدة الأطاولة , البوابة الرئيسة والأهم للمنطقة من الناحية الشمالية .
.
لكن عددا من الناس يتحدثون كـ " ملاحظات غير مناسبة" عن السعر (المبالغ فيه) لثمرة الرمان في المهرجان هذا العام .. وعن عدم اجادة البريد للنقل الجيد , في بعض شحنات توريده إلى خارج منطقة الباحة , وهذا ما التقطته أنا شخصيا مما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي .
.
وعلى أية حال .. فإن تلك الملاحظات لا يمكن بحال أن تنقص من قدر ومهابة المهرجان , كتظاهرة ثقافية تجارية ضخمة على مستوى المنطقة ككل , ولا تنقص أيضا من قدر "المشروع / الحلم " لنا جميعا في التوسع في زراعة الرمان , كمنتج محلي نفخر به , ونتطلع لزيادة كمياته عاما بعد أخر .
.
ونثق أن تلك الملاحظات القليلة التي سجلها الناس هي تحت السيطرة .. وبالإمكان تلافيها بسهولة , وصولا إلى منتج أكثر جمالا وجودة , وأقل سعراً , وأكثر مأمونية في الشحن .. ليظل الرمان مفخرة للباحة كما هو بن شدا .. لكن من دون – طبعاً - أن يرتفع سعر كرتون الرمان , إلى سعر يماثل سعر كرتون البن .
.
بقي أن نشد - وبكل حرارة - على يد منظمي مهرجان الرمان بالباحة .. فقد نجحوا - حقيقة - في أن يقدموا لنا بكل براعة وجمال , وبكل دقة تنظيم وتنوع في الفعاليات (لقطة الختام) البهية ... التي لا تنسى ... لصيف الباحة 1439هـ .. فلهم من التحايا أزكاها , ومن المودة أعذبها .