( آنَسَـتكُـم الرحمة ) .. عبارة يقولها أهل الحجاز (في مكة وجدة خصوصا) .. عند نزول المطر كنوع من المباركة المتبادلة ضمنياً , والدعوة بالخير ...
والرد المقابل ... هو : " آنست الجميع "
.
تذكرت ما تقدم - ونحن هنا في جدة - ننعم بأربعة أيام من أمطار الخير والبركة , في معدل بين شديد إلى متوسط , فخفيف - كـ "هتان" جميل , وهو ما صنع طقسا رائعاً بل مثاليا .. جعل الناس يخرجون للشواطئ والبراري , بل وحتى يمشون لمسافات كبيرة على أرجلهم , في طقس معتدل , بعد ثمانية أشهر من الحر الشديد المشحون بالرطوبة , التي أرهقت الناس .
وسمعت من قال .. إن جدة يناسبها المطر الهتان أكثر ... ولا يصلح لها المطر الغزير , ولله تعالى الحكمة في كل حال ..
.
واجمالاً فإنك تسمع الجداويين يرددون : (الحمد لله على المطرة الحلوة اللي جاتنا)
لكن بقي السؤال – حول العبارة الدارجة : (جدة تغرق في شبر مويه) .. والمقصود هنا الشوارع الداخلية .. فهل ما زال ذلك الأمر صحيحا وصريحا .. وأين هي شبكة تصريف مياه الأمطار (العمومية) ؟
.
واستطراداً .. فإن أهل جدة (وخاصة القدامى) قد درجوا على صنع طعام جميل (تراثي) , عندما يهطل المطر ..
ذلكم الطعام هو الـ "معدوس" مع شوية ربيان .. على أن يسقى بماء المطر – كشرط مهم في ثقافة صناعته .
.
وعلى أية حال .. فلا يزال أهل جدة يتذكرون مع كل حالة مطرية , حادثة ما عرف بـ (سيول جدة الأولى) الأربعاء 7 ذو الحجة 1430هـ / 25 نوفمبر 2009م ...
ورغم أن جدة قد شهدت لاحقا - وبعد عامين - حالة سيول أخرى - الأربعاء 22 صفر 1432 هـ / 26 يناير 2011 ... إلا أنها لم تكن بذات صورة الحادثة الأولى .
.
لكن الحل كان حاضرا وسريعا , ومحل الرضا .. جملة من البرامج الممتازة , والمشاريع (العاجلة / والدائمة) التي تم اتخاذها من قبل الجهات الرسمية .. فيما عرف بـ "مشاريع تخفيف آثار السيول" , فقد كانت مشاريع جيدة بالفعل .. وعكست اهتمام الدولة - رعاها الله - بالمواطن ... وحقيقة فقد كان لسمو الأمير خالد الفيصل دور محوري في ذلك , ويشكر عليه كثيراً .
.
تلك المشاريع – طبقاً للمختصين - تستطيع التعامل مع قوة أمطار تصل لـ 149 مليمترا .... ومنها إقامة 12 سداً في المرتفعات الشرقية من جدة , بما في ذلك سدي أم الخير والسامر , مع تجفيف واقتلاع بحيرة الصرف المشؤومة .. وإقامة شبكة قنوات كثيرة , بطول عشرات الكيلو مترات تنقل السيول مباشرة للبحر .
.
وفي كل الأحوال تظل الأمطار باعثا للبهجة وسببا في السرور , ولا زلنا نتذكر احتفاء أهلنا - في جنوب المملكة - بالمطر ونحن صغارا , فقد كانت واحدة من أعظم بواعث فرحتهم .. لارتباطها – ربما – بحياتهم الاقتصادية والمعيشية بشكل رئيس ..
.
فهطول المطر يعني ارتواء مزارعهم , وبالتالي تجويد ثمارها .. واللافت أن المطر كان يأتي في مواعيد ثابتة تقريبا لا تتغير .. مرة قبل حرث الأرض فيما يعرف بـ (البغرة) .. وأخرى بعد ان ترتفع سيقان الحنطة والشعير والذرة لنحو ذراع .. ومرة ثالثة قبل الحصاد .
.
وكانوا من احتفائهم بالمطر , أنهم قد جعلوه جملة ترحيبية في ثقافتهم العامة .. كقولهم للضيف :
(الله يحييك .. تحيات السيل) ..
وأيضا : (مرحبا هيل .. عداد السيل)
وقول الشاعر :
(أما انت يا سيل فاعلم عندنا لو تُمرّه
ترى عظامي جبالٌ .. ما بتشتالها)