احياناً نجد أنفسنا في أماكن لاتليق بنا أو بالطموح الذي نطمح أن نصل إليه يوماً،
قد تحكّمنا الظروف إلى السير في طريقٍ غير الذي حلمنا أن نسير فيه،
نمشيه وتؤلمنا أشواكه وظلماته ونتسلى بالرفقة التي تضحكنا ونستمر،
وعندما نخلو بأنفسنا ننعيها ، بقتلنا لطموحاتنا وذلك بتكرار المشي في هذا الطريق المظلم ، وعدم النهوض من هذا الحلم الكئيب كي نلحق بالركب مع الطامحين الذين شعت طرقهم أنواراً وبهاءً بفكرهم وعلمهم ،
ما أتعسها من حالة نطمح بالكثير ويثبطنا الكسل ، ضعفاً ساعده الشيطان على أن يتفاقم،
ولكن ماهي المحصلة من كل هذا الشتات ؟
تجد نفسك كبرت ، وذهب أقرانك إلى أماكن بعيدة وأنت لازلت تبحث عن من يضحك سنك فقط!
علماً بأن الخروج من هذه الدائرة سهل جداً،
ربما يكون بالهجرة، وليست كل هجرة يشترط فيها أن ترحل من بلد إلى بلد، بل أن تهجر الأماكن التي لاتجعل منك إنساناً حقيقياً ، هادفٌ في مجتمعه ، ومثقفٌ يفيد أصحابه، ومتعلمٌ يعلم أهل بيته، وناجحٌ يساعد في نهوض عمله،
أهجر هذه الدائرة التي تعيدك إلى مكانك الذي أنت فيه كل يوم دون أن تتغير إلى الأفضل،
ربما تكون هجرتك قريبة جداً ، ربما تكون إلى مكتبتك الصغيرة تقرأ فيها الكتب ، فالقراءة كفيلة بأن تجعلك رجلاً مختلفاً ،
تقرأ كتاباً ينمي فيك مهارتك اللغوية ، وتقرأ كتاباً آخر لتتعلم أشياء لم تعرفها عن دينك بعد،
وتقرأ كتاباً آخر يزرع فيك الطموح بأفكار جديدة لتمضي نحو الحياة وأنت مليئ بالحيوية ،
يكفي القراءة فضلاً ومكانةً : أن أول آية نزلت في القرآن الكريم (اقرأ)،
أو ربما تكون هجرتك إلى من سبقوك بالعلم وتخالطهم وتستمع لما تعلموه وفهموه،
الخروج من البيئة الفقيرة علماً وثقافةً إلى بيئةٍ غنيةٍ بالعلم والمعرفة تغيرك وتشعرك بالتغيير وتجعلك شخصاً متجدداً تتلذذ بطعم الحياة !
حتى كلماتك البسيطة وألفاظك وفكرك المحدود، كل هذه الأشياء تتغير،
يُحكى أن شاعراً في العصر العباسي كان اسمه علي بن الجهم وهو شاعر بدوي ، كانت ألفاظه قوية وقاسية لطبيعة بيئته ، قد جاء إلى الخليفة المتوكل وألقى عليه قصيدته وكان يمتدحه فيها :
انت كالكلب في حفاظك للود و كالتيس في قراع الخطوبِ
انت كالدلو، لا عدمناك دلواً من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ
فدُهِش الحاضرون في مجلس الخليفة بهذه القصيدة، ولكن الخليفة عرف أن بيئة الشاعر كان لها تأثيراً في تكوين هذه الألفاظ الخشنة،
ثم أمر أن يمكث هذا الشاعر فترة من الزمن عندهم في البساتين على ضفاف الأنهار، ويخرج الشاعر هذا إلى محلات بغداد ليرى الناس و مظاهر مدينتهم و حضارتهم،
فخرج هذا الشاعر بعد فترة من الزمن وألقى قصيدته وقال في مطلعها:
عيون المها بين الرصافة و الجسر جلبن الهوى من حيثُ ادري ولا ادري
اعدن لي الشوق القديم و لم اكن سلوت ولكن زدتُ جمراً على جمرِ
قد تغيرت ألفاظه الخشنة إلى أعذب ماقد تسمع،
وهذه القصة الطريفة نموذجاً بسيطاً من قدرة الانسان على التغيير بفضل مخالطة الآخرين أصحاب الفكر الجميل والبهي،
فالبيئة البهية ومخالطته للناس في الأسواق وسماعه لألفاظهم وقراءته لكتبهم ، غيرت ألفاظه من خشونة إلى أعذب وأرق مايُقال..
1 comment
ضيف الله حسن
02/14/2019 at 9:38 م[3] Link to this comment
مقال جميل جداً
فيه عبارات تحفيزيه الى التغير للأحسن