( السلوك .. الوعي الحضاري .. ونوع التعامل ) .. هو ما يميز شعوب عن شعوب , وهو كلمة السر للتقدم أو التخلف .
.
عند إشارة المرور الحمراء ونحن متوقفين , جاء أحدهم من بعيد , وتجاوزنا جميعا نحن الواقفين , ليستقر أمام جميع السيارات - كما هو حال العشرات منا يوميا للأسف –
أنا أصبت بالحنق , فتحركت لا شعورياً بسيارتي إليه , كنوع من (اللقافة ) ليس إلا
وقلت له : لو سمحت ..
لماذا تتخطى كل الناس وتقف في مكان خاطئ مرورياً , ثم هو أيضا غير المكان الذي فيه دورك وراء السيارات ؟ ...
نظر إلي الشاب باستخفاف , وقال - بغطرسة : "ما هو شغلك ؟" ... ثم أغلق نافذة زجاج سيارته , وراح يواصل ثرثرته بالهاتف الجوال , في سيارة مظللة بالكامل ..
.
قبل فترة وصلتني هذه الرسالة بالإيميل .. يقول فحواها .. (بتصرف) ....
.
عندما وصلت إلى هامبورغ بألمانيا ، رتب زملائي الموجودين هناك جلسة ترحيب لي في مطعم (عزومة) ... وهناك لاحظنا أن كثيرا من الطاولات كانت فارغة ... لكن على طاولة صغيرة .. بدا لنا زوجين شابين , ولم يكن أمامهما سوى طبقين وعلبتين من المشروبات .
وتساءلت : هل يمكن أن تلك الوجبة البسيطة (رومانسية) ؟
ماذا ستقول المرأة/الزوجة عن بخل ذلك الرجل ..
وكان في المكان عدد قليل من السيدات كبيرات السن .
.
نحن كنا جياعا ، ولذلك طلب زميلنا كمية كبيرة من الطعام , وبما أن المطعم كان هادئا ، فقد وصل الطعام سريعاً ... ولم نقض الكثير من الوقت في تناوله .
.
وعندما هممنا بالمغادرة ، كان هناك حوالي ثلث الطعام متبقٍ في الأطباق ... ولم نكد نصل باب المطعم إلاّ وصوت ينادينا .. لاحظنا السيدات كبيرات السن يتحدثن بعصبية وانفعال إلى مالك المطعم ..
تحدثت إلينا واحدة منهن ، أفهمتنا أنهن شعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام .! ..
قال زميلي (صاحب العزومة) : " لقد دفعنا ثمن الطعام الذي طلبناه , فلماذا تتدخلين فيما لا يعنيك ؟ " ..
إحدى السيدات نظرت إلينا بغضب شديد . واتجهت نحو الهاتف , واستدعت أحدهم ....
.
وبعد قليل وصل رجل في زي رسمي قدم لنا نفسه على أنه " ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية " .. ثم حرر لنا مخالفة بقيمة 50 ماركاً ....
ذهلنا والتزمنا الصمت جميعا , وأخرج زميلي الـ 50 ماركا وقدمها مع الاعتذار إلى الموظف ... ثم قال الضابط بلهجة حازمة : " اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها .. المال لكم لكن الموارد للمجتمع , هناك آخرين في العالم يواجهون نقص الموارد .. ليس لديكم أي سبب لهدر الموارد ".
.
أحمرّت وجوهنا خجلاً .. ولكننا وافقناه الرأي .. وتذكرنا كم في بلادنا من الأطعمة تقذفها مطاعمنا وبيوتنا وحفلاتنا إلى سلال القمامة يوميا ؟..
قام زميلي بتصوير تذكرة المخالفة , وأعطى نسخة لكل واحد منا كـ " هدية تذكارية " ...
جميعنا ألصق صورة المخالفة على الحائط بجانب سريره ... لتذكرنا دائماً بألا نسرف أبداً .