أيها القارئ المفترض، ربما تكون فكرت يوما بأن عليك إغلاق حساباتك الخاصة على موقع تويتر وفايسبوك أو باقي مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.
وربما يكون قد تبادر إلى ذهنك أن الحياة كانت أفضل بكثير قبل وجود هذه المواقع التي أصبحت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.
تفكر أحيانا في الموضوع بقلق كبير، سواء اتخذت قرارك بالمغادرة أو البقاء كعنصر نشيط أو متفاعل مع ما ينشر على هذه المواقع.
إذا كنت فكرت مرارا في الانسحاب ولاحظت أنك لا تنفذ هذا القرار، ستعتقد بأنك لا تملك الجرأة، ستفقد إحساسك بالسيطرة على رغبات نفسك ونزعاتها، ستضيق بنفسك، وتفكر أن الأمر قد وصل إلى مرحلة الإدمان.
في المقابل، إذا قلت لك بأن هناك أسباب كثيرة يمكنها أن تجعلك تتخذ قرار المغادرة وفي ظرف بسيط، ستواجهني بأن هذه المواقع ليست شرا كلها، يجب فقط أن نعرف كيف نتعامل معها، وكيف نؤثر في المحيط من حولنا عبرها، وكيف نوصل رسالتنا إلى أكبر عدد من المتتبعين دون السقوط في الإدمان والتصفح المستمر دون فائدة، ستقول لي بأن قرار الابتعاد عن هذه المواقع هو حنين إلى الزمن الماضي، وربما تقصد هنا بالماضي ذلك العصر الحجري الذي لم تكن فيه أية وسائل للتواصل.
إذا كنت من الذين يستعملون مواقع التواصل هذه في تعزيز العلاقات الواقعية والوصول إلى جمهور كبير من المتتبعين أو الحصول على أخبار تفيد في الحياة العملية، فيبدو أن هذا المقال سيعنيك فقط من حيث الثقافة العامة التي يمكن أن تناقش بها مع آخرين، هؤلاء الآخرين الذين يهمهم هذا المقال لفهم هذا الارتباط غير الإيجابي بمواقع التواصل الاجتماعي.
وفقا لدراسة أجريت سنة 2012، اتضح أن "تويتر" و "فايسبوك" أصبح يشكل إدمانا لدى كثيرين حول العالم متفوقا في ذلك على "التبغ" و "الكحول"، وقد وصل الأمر عند الكثير من المتتبعين إلى اعتبار أن تسجيل الإعجاب الذي يبديه البعض على منشوراتهم أو التفاعل معها أكثر متعة بالنسبة إليهم من تناول "الشكولاتة" أو "كسب المال". ومن هذا المنطلق فإن عدم التفاعل إذن مع المنشورات سيولد لديهم ذلك الشعور الذي يحسونه عند يرغبون في أكل الشكولاتة ولا يجدونها، أو عندما يفقدون مالا في الوقت الذي يتوقعون كسبه.
في الواقع، إننا نتجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التعبير عن ذواتنا وطلب الاعتراف من الآخرين، هذا ما يوضحه الكثير من المتخصصين، ويتأتى لنا ذلك بإنشاء صورة رقمية عنا وتغذيتها بكل الأشياء الإيجابية التي نريد أن نسوقها للآخرين. ولكن الذي يحدث هو أننا عندما نجلس إلى أنفسنا ونقارن بين الصورة الرقمية التي سوقناها والتي أصبح يعرفنا بها أكبر عدد من الناس، ليست صورة حقيقية، لأن الحقيقة أن الإنسان فيه جوانب كثيرة إيجابية وأخرى سلبية، ولا يتحقق التعرف على كل هذه الجوانب إلا بالتواصل المباشر للأشخاص. أما إذا كنا نتعامل مع شخصيات كثيرة وفق الصورة الرقمية التي تم تسويقها إلينا ولكننا عندما تعرفنا عليها في الواقع وعرفنا الأشياء التي لم يتم تسويقها والتي هي سلبيات بالضرورة، فإنه يصيبنا مثل الذي اكتشف أنه كان ضحية نصب واحتيال. من هذا المنطلق، إذا كنت من الناس الذين يعتقدون أن ما يعرفونه عن الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو الحقيقة، فإنه يلزمك مغادرة هذه المواقع فورا.
هناك عدد كبير من المستعملين لمواقع التواصل الاجتماعي، أول ما يبدؤون به يومهم عندما يستيقظون هو النظر إلى حساباتهم بهذه المواقع، وذلك حتى يتأكد لهم أنهم لم يفوتوا شيئا من الأحداث أو التفاعلات خلال فترة نومهم، وخلال فترة التصفح هذه، ينتقلون بين الأخبار المعروضة والتي فيها الإيجابي والسلبي، وربما هذه الأخبار كلها لا تعنيهم من قريب أو بعيد، ولكنها تشكل بالنسبة إليهم مصدر قلق أو العكس. إذا كنت من هذه العينة، ولاحظت أن يومك يتأثر بما تتطلع عليها صباحا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فإن النصيحة هنا ودون أدنى تردد "غادر ودون أسف مواقع التواصل الاجتماعي".
إن ما يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي من مقالات ومنشورات لا يمكن عده بشكل يومي، كما أن لائحة الأصدقاء بالحساب الخاص للعديد من متصفحي هذه المواقع تضم عددا لا حصر له، فيما إذا تم التدقيق في لائحة الأصدقاء يمكن اكتشاف أن الذين يكونون في حاجة إلى متابعتهم لا يتجاوز الثلاثين أو الأربعين في أحسن الأحوال، وبالتالي يكون هذا الكم من المتابعين أو الأصدقاء زيادة فقط في الكم من المعلومات والمنشورات والمقالات التي تعرض لهم على حساباتهم الشخصية، فيجد الكثيرون أنهم دخلوا لتصفح حسابهم لدقائق معدودات، فإذا بهم يقضون الساعات يتصفحون مقالا يقودهم إلى آخر. بالتالي إذا كنت من الذين لا يعرفون ما يريدون قراءته والاطلاع عليه في هذه المواقع، فلابد أن تتخذ قرار المغادرة دون أدنى شك في أن هذا القرار غير صائب.
الخلاصة، أن مواقع التواصل الاجتماعي وجدت من أجل تقوية العلاقات بين الأفراد وتحسين مستوى التواصل والوصول إلى أخبار مباشرة من مصادرها، إذا وجدت أن المحيطين بك يتقاسمون كل ما يصلهم من أخبار دون تمحيصها، أو وجدت بأنهم يسوقون شخصيات مثالية عبر حساباتهم، فإنك بذلك تكون أمام لا جدوى هذه المواقع، ويكون الانسحاب أفضل في هذه الحالات.
عاجل
بقلم /عبداللطيف الحاجي

لماذا يجب عليك الانسحاب من مواقع التواصل الاجتماعي؟
Permanent link to this article: http://www.eshraqlife.net/articles/277970.html