قبل أن أشرع في مقالتي هذه رأيت أن أستهلها بلمحة موجزة عن قطار الحرمين السريع والذي يربط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بثلاث محطات هي مدينة جدة، مطار الملك عبد العزيز الدولي، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ. ولاشك يعتبر قطار الحرمين السريع أحد ركائز خطط التنمية الجبارة، وتوسعة النقل عبر الخطوط الحديدية بل والمهمة، مما يجعل الرحلة بين المدينتين المقدستين ذات غايات عدة، ويواكب تنامي أعدد الحجاج والمعتمرين والزوار من الخارج والداخل بطاقة استيعابية تصل إلى 60 مليون راكبٍ سنوياً، وسيسهم كذلك في تخفيف الضغط والازدحام على الطرق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ومحافظة جدة، علاوة على الراحة والأمان والسرعة التي يوفرها . حيث يعد بكل المقاييس هذا المشروع هو الأضخم في المملكة، و الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، ويعتبر هو أول قطار كهربائي سريع في المنطقة
وكما أشرت يهدف المشروع إلى توفير وسيلة تنقل سريعة وآمنة بين المدن التي يمر بها المشروع، بصورة تضمن سلامة وراحة الركاب والمسافرين من المواطنين والمقيمين والحجاج والمعتمرين.
هذه المعلومات ب أعلاه قد نمر عليها مرور الكرام . وكأنها اخبار مشاريع قابلة للتنفيذ والعكس ، لكن كما قيل من قبل "ليس راءٍ كمن سمع"
فرغم أنني ممن يتمتعون بالسفر من جدة عن طريق السيارة الخاصة إلى مداخل مكة المكرمة ، إلا انه اشار لي بعض الاصدقاء بقبول هديته ورفقته إلى مكة عبر قطار الحرمين الشريفين السريع ،وربما وقتها داهمني فضول إعلامي ساهم في قبول الهدية والرفقة جزاه الله خيرا، وجعل اعمالنا من الصالحات الخالصة لوجه الكريم، وصراحة منذ أقبلنا على مبنى محطة جدة وكأننا على مطار دولي ابتداء من المواقف والمرافق المساندة حتى ممرات الأدوار المزدانة جنباتها بأشهر المحلات والمطاعم (تحت التجهيز) كذلك المصاعد والسلالم الكهربائية والمقاعد ، وفوق كل ذلك موظفون من الجنسين يتضح انهم خضعوا لدورات تدريبية عالية ، حيث يستقبلونك من مواقف السيارات حتى باب القطار ينثرون عرض الخدمات بابتسامات صادقة وعبارات جميله ، وعن القطار ماذا عسى أن اقول وكأنك تستقل كبائن طائرة درجة أولى ، تزف اليه زف العرسان ، وكل من حولك اقسم بالله دون مبالغة تتخيل أنهم يريدون أن يحملونك من الارض ، وعند كل باب عربة تجد ترحيبا وكأنك الوحيد المحتفى به ، تستهل الرحلة بدعاء السفر وإعلان توضيحي شامل امام كل راكب شاشة تتيح لك العديد من الخيارات وخدمات مباشرة مع تخصيص بوفيه بالعربة الخامسة تقدم وجباب خفيفة ومشروبات ساخنة وباردة ، ورحلة من المحطة إلى المحطة لم تتجاوز 31 دقيقة لأنها مرحلة استثنائية تجريبه حد السرعة الاعلى فيها 200كم ، وصلت الرحلة وكان الاستقبال في مكة شبيه بجدة مما يدل على أن العمل مؤسساتي ممنهج ومدروس وبروح الفريق الواحد .
الحقيقة المؤلمة وإن كانت لن ولم تقلل من اهمية هذا المشروع الجبار ،أن المسافة ما بين محطة القطار والحرم تفاجئ الراكب بعد مغادرة محطة القطار بمكة ، فحافلات الشركة الحصرية تحتاج إلى ربع ساعة على اقل تقدير كي تصل الى محطة خاصة بها قبل الحرم، ثم من محطة الحافلات الى الحرم تحاج إلى المشي صعودا ونزولا وقطع الطرقات الى وقت مماثل إذا كنت نشيطا أما كبار السن والمحتاجين لخدمات فقد يحتاجون وقت اطول ومشقة كبيرة، وكذلك نفس المعاناة عند العودة من الحرم إلى محطة القطار بمكة المكرمة ، وهنا قد اجد العذر لهيئة تطوير مكة وسط ورش التطوير والعمران حول الحرم المكي الشريف ، لكن لأننا قادمون على موسم العمرة في رمضان وكذلك الموسم الحج ، ارى انه لابد ولو مؤقتا من تجهيز ممرات سريعة ومباشرة لتكتمل الصورة المشرقة لهذه المشروع الجبار،على ان يتم لاحقا مد جسور او انفاق خاصة بالمشروع تصل مباشرة الى ساحات الحرم.
ختاما لابد أن اشير أن من يستطيع أن يجسد عظم هذا المشروع العملاق هو من يجرب #قطارالحرمينالسريع من المدينة إلى مكة او العكس ، لأن المعطيات ستكون أكثر ايجابية ومتعه ، سيما أن الرحلة في المواسم سترفع عنك المرو بعشرات المراكز الأمنية ، وتكرار التوقف ، وتحظى بخدمة عالية مما يؤكد ان المشروع فعلا هدية كبرى ومنجز عظيم من حكومة خادم الحرمين الشريفين لهاتين المدينتين الشريفتين ، بصفة خاصة وللمسلمين عامه ، وبإذن الله وقد أعجبت بالمنجز أن اخوض تجربة جدة المدينة قريبا ،لما يترتب على ذلك من فرحتين فرحة أن الله احيانا إلى أن نشاهد هذه النقلة النوعية الكبرى ، وفرحة أن ذلك يخدم كل مسلم في انحاء العالم يفد إلى هذه الديار الطاهرة، والفرحة الكبرى أن ذلك يسهل لكل مسلم مهما كانت ظروفه العمرية والصحية الوصول لمكة والمدينة بسهولة .. حفظ الله هذه البلاد وقادتها وشعبها الوفي التي سخرت كل مقدراتها ومقوماتها لخدمة الاسلام والمسلمين ..