قمم مكة المكرمة واحدة من الشواهد الظاهرة الجليّة على مكانة المملكة العربية السعودية إقليميا وإسلاميا ودوليا .. هي شهادة لنا أمام العالم كله ، بأننا أهل القدح المعلى إذا ما كان الحديث عن التضامن والسلام والتنمية ونبذ الإرهاب ، سواء خليجيًا أو عربيًا أو إسلاميًا ، وحتى دوليًا أيضًا .
.
نحن ندعو قادة الخليج والعرب والمسلمين فيستجيبون مشكورين للالتقاء حول مائدة الصدق والمحبة والتضامن ، لتعضيد الصف العربي الإسلامي ، وتقوية اللحمة وتأطير السلام ونبذ الإرهاب والتطرف .
.
ولذلك جاء قادة وممثلو 57 دولة للانعقاد بجوار الكعبة المشرفة ، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظة الله - لوضع النقاط على الحروف في مسائل كثيرة حيوية ، أولها توحيد الموقف الرافض للإرهاب والتمدد الإيراني العابث بمصلحة الأمة ، وإلجام نظام قم عن مواصلة مراهقته السياسية السادرة في الغواية ، والخروج بموقف واحد حازم صارم .
.
ثم لقراءة الأفق السياسي للأمة ووضع الخطط العملية الكفيلة بمستقبل آمن ومشرق للعرب والمسلمين ، في مناخ يسوده السلام وترفرف عليه بيارق الأمن .. بما يجعل بلدان المسلمين منصرفة إلى تنمية أوطانها ، ورفاه شعوبها ، من دون تهديدات عبثية تصرف الأمة عن هدفها السامي في الحياة الكريمة .
.
وحقيقة وأنا أكتب هذه السطور لم تغب عن ذهني مسألة العبث الإيراني .. وقد قلت ذات مرة في مقال سابق لي – وأزيد هنا : إن ايران لن تحقق أهدافها الأيديولوجية , وإنها فقط تضيع الوقت على نفسها , وعلى إقامة علاقة حسن جوار تحترمنا من خلالها , ولا تتدخل في شؤوننا , وتكف عن محاولاتها البائسة واليائسة , المتواصلة في بناء (بيوت الدبابير) من حولنا .
.
الرؤية الإيرانية المعلنة منذ الخميني 1979 (أي منذ حوالي 40 عاما ) , والمتمثلة في فكرة (تصدير الثورة ), فكرة بليدة , وميتة في مهدها , ولن يقبل بها أحد ... لا جيرانها من دول الخليج , ولا حتى الدول البعيدة .. لسببين :
.
الأول : إنها إيديولوجيا تتقاطع مع ما يؤمن به جيرانها من فكر وثقافة .
.
والثاني : أن تصدير الثورة كان في الأصل - ولا زال - غطاءً إيديولوجيًا يحمل تحت عباءته منهجًا سياسيًا ماكرًا , يرمي للهيمنة بمعناها الواسع , وهذا ما يتعارض مع أبسط مفاهيم احترام سيادة الآخرين .
.
ويظل من غير المفهوم أن حكام وملالي إيران منذ الخميني وحتى الآن كانوا ولا زالوا يضمرون العداء الشديد لنا.. وتحديدا هنا في - السعودية – وظلوا يتحينون الفرض للإنقاض علينا دون مبرر منطقي , في وقت تحظى فيه بلادنا وقادتها باحترام من كل شعوب وحكام الأرض .
.
كان في مقدور إيران أن تصافح اليد الممدودة لها بالسلام منذ سنوات , وأن تبني معنا - ومع جوارها الإقليمي بكامله - علاقات محترمة ومصالح اقتصادية كبيرة , حتى يعيش إقليمنا في سلام .
.
لكن ... عندما يجتمع الجهل السياسي مع الحقد الشخصي , فإن ذلك كفيل بأن يجعل إيران تعيش في عزلة مظلمة , وأن يظل حكامها يعيشون (على أعصابهم) ليس لهم من بصمة في التاريخ سوى (العار) , بعد أن ظلوا يغذون القلاقل في محيطنا العربي , ويدسون أنوفهم في خواطر إقليمنا , الذي لا يربطه بديار الفرس رباط ثقافة ولا عرق .
.
بل على العكس نحن العرب من كان يحكم (الأحواز/الاهواز) منذ ما قبل ظهور الإسلام , وهو إقليم كبير غرب إيران الآن , ويطل على كامل المساحة الإيرانية على الخليج العربي , اسمه عربستان , ثم حوله الفرس إلى خوزستان .
.
إيران تعيش حالة عجيبة من المرض اسمها " تضخم الأنا " (الفارغة) .. وتتعاطى رؤية قاصرة يعود تاريخها إلى زمن الشاه محمد رضا بهلوي، الذي رأى من نفسه , ثم جوقة الملالي من بعده ، أنهم شرطيو الخليج , ويبدو أنهم (صدقوا أنفسهم) , في أن عليهم تقع مسؤولية حمايته .
.
ذلك المبرر الوهمي (المغشوش) الشبيه ببالون رقيق ، يعني أن أولئك القوم ماضون في غيهم يعمهون , يسعون بكل وضوح للهيمنة , وبسط السيادة الإيرانية بالقوة , وهذا ما نرفضه بكل شجاعة واقتدار وبـ (الفم المليان) , وهو أيضا ما ترفضه أبسط معاني منطق احترام (الجيرة) وسيادة الأخر ..
.
نحن في المملكة أقوياء بالله ، ثم بشعبنا العظيم الذي أثبت وسيظل يثبت أنه مثل جبل طويق كما وصف ذلك سمو ولي العهد , نحن أقوياء بقدراتنا الضخمة ، وبمحيطنا الإقليمي والعربي والإسلامي ، نحن أقوياء لأننا على الحق ومع الحق ، ولذلك نحن مطمئنون إلى سلامة وصوابية موقفنا .. وما قمم مكة الثلاثة إلا دليل جديدة على أن بقعة كبيرة من العالم ، من تخوم إندونيسيا الشرقية حتى ضفاف الأطلسي المغاربية ، جاءت إلينا لتصطف مع الحق .
.
وتقول نعم للسلام ، نعم للأمن ، نعم لأن تستغل ثروات بلداننا في تنميتها ورفاهها .. وتقول لا وألف لا للإرهاب ، ولا للتطرف ، ولا للتدخل في شؤون الأخر ، عبر بناء شبكات التجسس ، وزرع البؤر التخريبية ، واستنبات المليشيات المسلحة .. ولا (كبيرة وقوية) للعبث الإيراني الذي تجاوز كل الخطوط الحمر ، وصار معضله عربية وخطرًا إسلاميًا ومهددًا دوليًا .
.
إيران الآن تعيش حالة ارتباك كبيرة ، وتشعر أنها تختنق ، ولن يفك هذا القيد من حول رقبتها إلا إذعانها للسلام ، وتخلصها من حلمها الأرعن - حلم التمدد والهيمنة – وإلا فإن عليها أن تواجه مصيرها الأسود - نحو الاضمحلال والاندثار .