مدخل :
(يا - لله العودة) .. هذه الجملة ليست لي .. قائلها ستعرفونه في ثنايا المقال بعد قليل ...
.
موضوعنا :
لم أتمكن لظرف ما - من حضور حفل افتتاح مهرجان الأطاولة التراثي في نسخته الخامسة .. لكنني لحقت بالمهرجان في يومه الثالث .. ثم لستة أيام متوالية .. ورأيته وقد استحال تظاهرة شعبية وطنية تراثية تاريخية .. بل لقد كان عرسًا ثقافيًا باذخ الثراء ، تهافت إليه المحبون والعشاق زرافاتٍ ووحدانًا من كل مكان .
.
وعودة للوراء قليلًا .. فبعد ثلاث نسخ من المهرجان أقيمت في الساحة الوسطية للمنطقة التاريخية بالأطاولة القديمة (القرية الأثرية) وكان مستوى نجاحه متوسطًا .. فطن القائمون على المهرجان إلى ناحية مهمة .. كانت "كلمة السر" في نجاحه الكبير ، بل وزيادة جرعات تألقه ، وهي نقل مقر اقامته إلى أرض سوق ربوع قريش التاريخي ، بكل كاريزماه الطاغية ، وما يحمله من أرث حضاري ضارب في عمق الزمن .
.
فكان تلك "نقطة التحول السحرية" التي حلقت بالمهرجان إلى سموات من الدهشة والألق والابهار ، منذ العام الماضي حيث النسخة الرابعة ، وهذا العام النسخة الخامسة .
.
سوق الربوع التاريخي يعتبر لوحده نقطة جذب عالية الجودة .. وكثيرون ممن تحدثوا معي قالوا : إنهم جاءوا ليرووا عطشهم برؤية الحياة تنبعث من جديدة ، في جنبات سوق عمره أكثر من 600 عام ، ظل زاخرًا بحركة متوثبة وعامرًا بديناميكية عجيبة ، وبتنوع في المخرجات .. حيث لم يكن السوق فقط محطة تبضع وبيع وشراء وحسب .. بل كان له أدوار أخرى حضارية واجتماعية وثقافية متنوعة ، لا يتسع المجال لبسطها هنا .
.
مهرجان الأطاولة التراثي في نسخته الخامسة – وكما رأيت بنفسي - أكد على عدة جوانب إيجابية مهمة .. من بينها ....
أولا : التأكيد على الهوية الوطنية ، من خلال الفعاليات التي جعلت حب الوطن وقيادته على رأس اهتماماتها ، في كل الأناشيد والشيلات والعرضات ، التي حفلت بمضامين تعزز اللحمة الوطنية ، وتؤكد على الولاء للقيادة الرشيدة وحب الوطن .. فضلا عن تلك الجداريات الضخمة التي حملت صور قائد بلادنا وسمو ولي عهده ، مع بعض مقولات القيادة الرشيدة .
.
ثانيا : أن المهرجان قد تماهي كثيرًا مع الموروث الثقافي الشعبي بكل ألوانه وتفريعاته ... سواء كان تراثًا ماديًا أو غير مادي أو محكيًا (التراث المادي المباني القديمة والمقتنيات المنزلية والزراعية والحياتية القديمة ... الخ) ..
والتراث غير المادي هو العادات والتقاليد والأشعار والموسيقى والغناء والقصص والحكايات وعادات الزواج ....الخ)
.
وكان من آثار ذلك أن وقفت الأجيال الجديدة - تحديدًا - ممن كانت أعمارهم أقل من 35 عامًا (وقد شكلوا تقريبا 75% من زوار المهرجان) وقفوا على تراث وثقافة الأجداد في الزراعة في الوادي التراثي الذي تم استحداثه هذا العام ، وكان مفاجأة كبيرة بفضل مهارة القائم عليه ، وعراب الفكرة أ . علي بن سعد .. فله كل التحايا والشكر .
.
ثالثًا : صار المهرجان حلقة تعارف بين كثيرين توافدوا من الجهات الأربع ، وجددوا ذكرياتهم وصداقاتهم .. بل إن ثمة وجوه جديدة كسبها البعض - أصدقاءً جددًا ، بفضل المهرجان الذي كان حلقة وصل على طريق الخير .
.
رابعًا : صنع المهرجان حالة من الفرائحية والسعادة ، فلا تكاد ترى أحدًا إلا والبشر يعلو محياه .. ما أسس لـ (ثقافة الفرح) المجتمعية ، التي يحتاجها الإنسان - من حيث كونه إنسانا يحتاج للحظات من البهجة ، في غمرة متاعب الحياة ، وكون المهرجان قد جاء في وقته - وقت الاجازات .
.
خامسًا : كان للمهرجان دورًا مهمًا في تنشيط السياحة بشكل عام .. وصار "وجهة" مهمة كل سنة .. واستقطب كذلك وفودًا من كل المملكة وعربًا وأجانب جاءوا متلهفين للاستمتاع بعصرياته وأمسياته .. ثم أنه كان عاملًا في صناعة "هجرة معاكسة" ولو "وقتية" للكثير من الأسر من أبناء المنطقة .
.
ذلك هو مهرجان الاطاولة التراثي ، بكل إلهاماته ، وجمالياته ، وتنوعه ، و"فرادته" التي شهد وأشاد بها كل الزائرين ..
.
ويظل من اللافت - حقيقة - أن أحدًا لو سأل :
من هو الرجل الأول في مهرجان الأطاولة ؟ .. لكان الجواب صعبًا .. (صعب أن تحدد شخصًا بعينه) .. لكن المؤكد .. أن كل أهل الأطاولة كانوا هم (الرجل الأول) - كلهم بلا استثناء .... وهكذا ذابت الفردية وظهرت الجماعية .. في عرس فخم قام على أكتاف - ما يعرف في علم الإدارة الحديث بـ (الفريق الواحد) .
.
الآن ... وقد انفض السامر ، وتفرق الأحبة والأصحاب ، وأسدل الستار .. ها هو حصن دماس العملاق الرابض على مرمى البصر من سوق ربوع قريش ، يبتسم ويلوح بيديه لجموع الزائرين في ختام المهرجان .. ويردد بلسان الحال والمقال :
"يا الله - العودة" ... "يا الله - العودة" .
.
شكرا لجنة التنمية الاجتماعية بالأطاولة ، التي خططت ونفذت بإتقان ....
شكرًا لأهالي الأطاولة نساءً ورجالًا الذين دعموا المهرجان معنويًا وماديًا بسخاءٍ كبير ..
شكرًا للزائرين الكرام الذي حضروا بكثافة ورغبة وحب ، وغادروا - والمكان يحن لهم ، بعد أن امتلئوا - حتى حدود الإرتواء - فرحًا وتراثًا وثقافة .
4 comments
Skip to comment form ↓
احمد هياس
07/23/2019 at 6:20 م[3] Link to this comment
الأستاذ بخيت الزهراني كاتب متفرد في مساره يجيد الوصف الزماني والمكاني ويتوغل في أعماق الأعماق بلغة سهلة ممتنعة. في مقاله (عرس الأطاولة) استحضر الماضي ووقف على الحاضر . أوجز إيجابيات المهرجان و طاف على جوانبه و فهالياته و شكر بإيجاز من يستحق الشكر و هم كثر بوركت جهودهم.
ولعلي أضيف
سادساً: لقاء زملاء و أصدقاء لم نرهم منذ زمن وهي ايجايبة مهمة في نظري.
سابعا: تعزيز فكرة العمل التطوعي لدى شباب و بنات الأطاولة(عماد المستقبل).
ثامناً وتاسعاً و و الى المائة. للكاتب بخيت الزهراني
وكل من كتب او حمل كمرته لتصوير المهرجان و توثيقه جزيل الشكر
أما الشكر الخاص فهو للشيخ فهد الحسين و عريف القرية الاستاذ بخيت الساهر
وكل فرد ساهم بفكر او جهد او مال لإنجاح تظاهرة مهرجان الأطاولة الخامس .
و (يا الله العودة. )
بخيت الزهراني
07/25/2019 at 3:15 ص[3] Link to this comment
شكرًا أخوي أحمد على ثنائك .. هذا من ذوقك الرفيع .. تحية كبيرة
الاستاذة:شريفة سعد
07/27/2019 at 11:14 ص[3] Link to this comment
الاستاذ بخيت الزهراني كاتب متذوق لبلاغة اللغه وأختيار الكلمات الأعلان لمهرجان الاطاوله كان جميل جداً وشجع الكثير لزيارته والاستمتاع به فشكرا لجميع القائمين عالتنظيم والتطوع
بخيت الزهراني
07/28/2019 at 3:42 ص[3] Link to this comment
شكرًا … أ . شريفة .. على ثنائك .. وهذ من ذوقك الرفيع