نحن الآن على مشارف "الوقفة الكبرى" ... وعلى مقربة من ضفاف "أعظم تجمع بشري" على مستوى العالم ...
في كل عام - ولـ قرون كثيرة - يتجدد الموقف .. وتتكرر الصورة ..
لكنها - أبدًا - من دون ملل ولا رتابة - سبحانك ربي -
تلك المشاهد الروحانيات البهية .. تأسرنا دومًا .. تأخذ بشغاف قلوبنا أبدًا ..
.
دعونا الآن نتخيل صعيد عرفات الطاهر، وهو يضج بالملايين .. مشهد أسطوري مهيب لا نظير له في الدنيا، مشهد هو الأعظم على الإطلاق على مستوى العالم، في يوم «الوقفة الكبرى»، بتلك الحشود المهولة من المؤمنين ، القادمين من كل فج عميق .
.
جاءوا في الموعد الذي لا يتغير ، وفي المكان الذي لا يتبدل .. وهناك وتحت سمع وبصر شاشات التلفزة العالمية والإسلامية والمحلية ، سيجري «الموسم» السنوي الديني الأبرز والأكثر إثارة ، في شفافية مطلقة ، وفي نقل إعلامي حي على مدار الساعة ، لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويوثقها..
.
وسننجح نحن السعوديين من جديد - بحول الله – سننجح في استخراج شهادة تألق جديدة ، ممهورة بـ«ختم التميز»، لنقدمها للعالم أجمع، وثيقة نجاح ترفع رأس كل سعودي ، بل وكل مسلم .
.
فنجاح الحج ليس نجاحا للسعوديين وحسب ، بل هو شهادة نجاح لكل مسلم من السواحل الغربية لأميركا الجنوبية ، إلى غابات إندونيسيا ... ومن تخوم القارة السمراء إلى صقيع سيبيريا.
.
واضطلاع السعوديين بـ «المهمة / الشرف» ليس بحثاً عن إشادة ، أو استدرارا للتصفيق ، لكنه واجب وشرف وأمانة .
.
ولعل من لطف الله أن أوكل أمر تنظيم الحج إلى بلادنا المباركة ، فأصبح الحج عبادة خالصة ، ينصرف فيها الحاج إلى مناسكه ، دون إشغال الموسم بالاتجاهات السياسية ..
.
وتصوّر لو أن السياسة قد دخلت الحج ، فكم من الفوضى سيراها العالم في منى وعرفات ومحيط الجمرات وحول الكعبة ، حيث سيبادر الكل إلى رفع أيديولوجيته وحزبيته ومذهبيته .. وسوف يختلط الحابل بالنابل ، ويتنابز الناس بالألقاب، وستكون فوضى عارمة، ومن غير المستبعد أن تزهق وسط ضجيجها الأنفس البريئة .
.
ولكن من كرم المولى عز وجل أن منح المسؤولين في بلادنا عقولًا كبيرة ، فحسموا الأمر مبكرًا ، فعم شعيرة الحج الهدوء ، وانصرف المؤمنون إلى عبادتهم ، وتفرغوا لمناجاة ربهم ، تاركين الدنيا وزخرفها وراء ظهورهم ، متماهين مع رمزية ما يرتدونه من ملابس بيضاء بسيطة ، إمعاناً في التجرد لله ، بعيداً عن صخب الدنيا الزائل ، فكان في ذلك الخير كل الخير .
.
اجتهدنا نحن السعوديين لهدف واحد فقط ، وهو إرضاء المولى عز وجل ، ولعل الله تعالى قد اطلع على نيتنا «الصافية» تلك .. فأكرمنا بتيسير المهمة الشاقة ، تفضلا منه تعالى ، فله وحده الشكر والمنة ..
.
ثم أن الشكر وعظيم الثناء يزجى مدرارًا لكل رجالات الحج ، بدءًا بملكنا وولي عهده - حفظهما الله - واللذان يكونان على مرمى البصر من الحج ، يقودان ويوجهان .... وإلى أصغر مسؤول نذر نفسه لذلك التشريف والشرف العظيم .