سمحت لي طبيعة العمل بالوقوف على كثيرٍ من أوضاع مدارسنا خلال الأسبوع الأول من العام الدراسي، وكان من المفترض أن تكون تلك المدارس في قمة استعدادها لاستقبال فلذات الأكباد، لكن الواقع المرير أبى إلا أن يفرض نفسه، ففي كثيرٍ من تلك البيئات اختنق الطلاب من حرارة الفصول، رغم تكدس أجهزة التكييف في المستودعات، ورغم الاستغاثات والمطالبات من قبل القادة، وكأن المسؤولين سيصرفون على تلك المدارس من جيوبهم، عوضًا عن فِرَقِ الصيانة التي كان من المفترض زيارتها للمدارس قبل شهر أو أكثر من بداية الدوام؛ للوقوف على الأعطال والأضرار وإصلاحها، لكن العذر يبقى موجودًا (الفِرَقُ لا تكفي لتغطية المدارس)! إذًا فعلى أي أساس تم توقيع العقد مع هذا المتعهد؟! أهي كما يُقال مسألة (امسك لي واقطع لك)؟!
أمَّا عن الميزانيات التشغيلة المصروفة للمدارس فحدث ولا حرج؛ فقد دخلت في غيبوبةٍ جراء الأضرار وإزالة الغبار، مما دفع قادة المدارس - وفقهم الله - إلى إنعاشها من جيوبهم، رغم عدم مسؤوليتهم عن ذلك، ورغم ما وراءهم من التزامات ومسؤوليات، ومع ذلك بقي التقصير حاصلاً؛ كوننا في منطقةٍ ساحليةٍ تكتسحها العواصف الرملية طيلة ثلاثة أشهر، تغطي فيها المعالم، وتتلف أي شيء به رمقٌ من حياة.
ميزانيةٌ هي الأضخم، بل وقد تعادل ميزانيات بعض الدول كاملةً، ثم يتم إنفاقها على مبانٍ لا تتجاوز الخطوات عتباتها ثم يتم إغلاقها لعدم صلاحيتها، ويُحشر الطلاب بالمئات في مدارس ذات فصول ضيقة، قد تُحال الملحقات فيها أيضًا إلى فصول، أو تتمُّ إحالتهم إلى الدوام المسائي في إحدى المدارس القريبة، أين كان المشرف على المباني المدرسية أثناء العمل على المشروع الفاشل؟ وأين محاسبة المقاول الذي قبض ثمن جريمته سحتًا وذهب ليستلقي على مخدته وينام قرير العين؟
للأسف لن تتغير الأوضاع، بل ستزيد الآلام والأوجاع؛ ما دمنا نبحث دائمًا وأبدًا عن تحسين الصورة، وتجميل المظهر أمام مسؤولٍ لو صدق في اكتشاف الحقيقة في صمت لأخرج ما خفي، ولفضح المستور، وما دمنا نتمسك بكراسٍ دوارة قد تُسقطنا ما بين عشيةٍ وضحاها، ونتجاهل أمام ذلك مسؤوليتنا بين يدي الله عز وجل عن الأمانة المُضيَّعة، والمال الحرام.
ليس على مستوى وزارة واحدة فقط، فالبلوى أعم وأشمل.
بقلم/يوسف الشيخي

بعض المستور
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.eshraqlife.net/articles/310512.html
2 pings