دعوني أروي لكم هذه القصة .. فقط تابعوا ؟
أنا - الآن - أقف داخل محطة قطار الدمام ، على شاطئ الخليج العربي .. وفي جيبي تذكرة رحلة القطار (الدمام – الطائف – الباحة) .
.
سأغمض عيني - لبعض الوقت - وأقول لكم ماذا رأيت ؟
بداية وجدت نفسي منطلقاً من أقصى الشرق السعودي ، ميممًا بوجهي شطر الغرب الأوسط ، ثم الجنوب الغربي من بلادنا ، في رحلة ترفيهية سياحية .
.
رحلتي بدأت برؤية مياه الخليج الرقراقة , فصحراء النفود الذهبية ، فمعالم عاصمتنا الحبيبة الرياض ، ثم كامل الخط العرضي لنجد النسائم ، فمرابع الطائف المأنوس ، إلى أن حلقت بي عربات القطار فوق جبال السروات الشاهقة ، مرة داخل أنفاق تخترق الجبال , ومرة على سفوحها المتلحفة بأشجار العرعر .. وأخيرًا ... حطت بنا الرحلة وسط مدينة الباحة .
اوووه .. رحلة فخمة .. رائعة .. تخطف العقل ...
.
سيقول أحدكم ما هذا الخيال , وكيف نشأ ، وما هو مغزاه ؟..
.
مهلا .. سأقول لكم ...
فقبل فترة كنت – مع مجموعة من الإعلاميين - نجيب دعوة قنصل اليابان في جدة إلى مناسبة عامة بالقنصلية .. وعندما هممنا بالخروج بعد انقضاء الحفلة ، كان عددًا من موظفي القنصلية يوزعون علينا بعضًا من الكتيبات .. ووجدت بينها كتيبًا عنوانه ”تجول بالقطار عبر اليابان” .. وبقدر ما أثارتني مادة الكتاب ، فقد شدتني كذلك الصور المرافقة فيه ، للكثير من الجزر اليابانية بشواطئها وجسورها وأشجارها وقطاراتها ، التي شكلت العمود الفقري للمواصلات والنقل في ذلك البلد المبهر الشرق آسيوي المتقدم ، والذي قفز في الأربعين سنة الماضية، إلى بؤرة ذاكرة العالم ، وصار يشكل ثالث اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة والصين .
.
ومن خلال تلك الكتيبات سوف أحدثكم عن حكاية ”النوم الفاخر” في قطار ”كاشيوبيا اكسبريس” .. الذي كثيرًا ما تكون رحلاته بدءًا من الرابعة عصرًا ، ثم طيلة الليل ، إلى أن تنتهي الرحلة عند الثامنة صباحًا، بعد سبعة عشر ساعة من السفر (هو ليس قطارًا سريعًا) .. ولكنه يصلح لتجربة العصر الذهبي لقطارات السكة الحديد الماضية ، حيث يقطع مسافة 1200 كم وسط أجواء من الفخامة والمتعة ، وأغلب ركابه من العرسان الجدد ، أو كبار السن ممن يريدون استعادة جزء من روعة الماضي .
.
ويوفر هذا القطار أجنحة .. الواحد منها يتألف من صالون وحجرة نوم ديلوكس أو حجرة بسريرين .. وليس فيه مقاعد عادية ، والراكب يصعد إلى الحجرة العلوية لمشاهد مناظر الطريق ، وعندما يشعر بالنوم يهبط إلى حجرة النوم ، المزودة بدش للاغتسال ، ومرحاض ، وحوض غسيل، ومناشف وأردية بسيطة داخل حجراته، وتلفون ، وتلفزيون بقنوات فضائية, وجرسونات يحضرون لك القهوة والطعام الذي تريد.
.
أما النوع الثاني من القطارات فهو (شنكنسن اليابان) أو ”الطلقة” .. والذي بدأ الخدمة عام 1964م خلال استضافة اليابان للأولمبياد الصيفي ، فكان ذلك هو الحدث المذهل الذي قدمته اليابان للعالم على هامش ذلك الحدث الرياضي ، وسرعته تصل إلى 300كم/ساعة بعد التطويرات التي أحدثت فيه مؤخراً، ويمتاز بزيادة سرعته من السكون إلى 270كم/ساعة خلال ثلاث دقائق، وتصميمه يبدو مثل طائر مفرود الجناحين.
.
والواقع أنه خلال كتابتي لهذه السطور .. عشت معاناة عدد من الأصدقاء (وهي حكاية تتكرر عندنا كثيرًا) عندما توفي أحد أقاربهم في الرياض وأرادوا اللحاق بالصلاة على الميت من جدة ومن الباحة ومن غيرهما .. فلم يجدوا حجزًا فوريًا على الطيران ، لأنه (من سابع المستحيلات) أن تجد حجزًا فوريًا ، إن لم تكن قد حجزت قبل سفرك بعشرة أيام على الأقل (مع وجود الواسطة) .. فما هو الحل ؟..
.
الحل في نظري ... هو في إقامة شبكة قطارات واسعة، تشمل كل أرجاء بلادنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها .. خصوصًا وأننا قد تأخرنا كثيرًا في هذه الناحية ، وبلادنا أشبه ما تكون بالقارة .. ولن يخدم ظروف الناس الطارئة وغيرها إلا وجود مواصلات سريعة وآمنة مثل القطارات الحديثة.. كتلك الموجودة في اليابان وغيرها .. فوق أن للقطارات عائد اقتصادي كبير مع زيادة حركة وسفر الناس مؤخرًا .. وتوجه بلادنا الجديد للسياحة .
.
وزارة النقل عندنا بدأت مؤخراً محاولة وضع اللبنة الأولى لعصر القطارات السعودية ، بدأت بقطار الحرمين (المدينة – جدة – مكة) وكنت مثل غيري فرحاً وأنا أسمع وأرى ولادة ذلك الحدث السعيد .. لكن لم يلحق به مشروع أخر ، وكأن عصر القطارات عندنا يصل بـ (القطارة) .
.
يا - وزارة النقل .. يجب أن تكون الالتفاتة لهذا النوع من وسائل المواصلات رؤية استراتيجية - وليس مجرد حلم على الورق - يقطف ثمارها المجتمع عما قريب ، بحيث يمكن لأحدنا أن يتجول في أي بقعة من بلادنا في اللحظة التي يريد ، سواء عند الظروف الطارئة، أو للسياحة ، أو لنقل البضائع والمسافرين .
بدلاً من الأسلوب التقليدي الحالي .. السفر بالسيارات بكل مخاطرها وحوادثها المزعجة .. أو الاستكانة لحجوزات الطيران المرهقة ، التي لا تكون إلا بولادة متعسرة .
1 comment
عبدالله الزبيدي
10/19/2019 at 2:38 م[3] Link to this comment
رائع ????????