هل كل موهوب - موهوب ؟ ..
هذا - في ظني - ليس سؤالًا (اعتباطيًا) .. ولا هو فلسفيًا أو جدليًا ؟ .. بقدر ما هو محاولة لتفكك دلالة هذه المفردة - "الموهبة" .. ووضعها في سياق يمنحها مزيدًا من التأمل والتأويل . الذي يفضي إلى "مقاربة" للمعنى الدال .
.
دعونا "ندندن" .. حول هذا الموضوع ؟
أنت وأنا نرى بعض الناس في هذا الحفل أو ذاك ، وهو مندفع يُصرّ على أن يلقي (كلمة) أمام الحاضرين .. وأقصد الحفلات المجتمعية من تلك التي يقيمها الناس - عادة - لمناسباتهم الخاصة ، أو الجهوية .
.
الذي يبدو لي أن أكثر ما يهم صاحبنا ذاك – وأمثاله – هو أن يمسك بالميكرفون في يده ، ثم (يتمظهر) لـ يراه الحضور شاخصًا أمامهم كي يرضي نرجسية ما - في داخله .. لكن اللافت غالبا أن الواحد من أولئك لا يعرف كيف يتكلم كلامًا منظمًا ، في جمل مرتبة ، متناسقة .. فضلا عن أن تكون لديه (فكرة - أو رؤية) يطرحها ، لتكون إضافة ثقافية أو معرفية .. ذلك لأن (طاسته - فارغة) أصلًا .
.
والحال نفسه ينطبق على آخرين .. حيث يصر الواحد منهم على أن يكتب مقالًا ، والعجيب أن بين أولئك من هو يكتب منذ سنوات ، لكن مستواه (مكانك سر) .. ثم عندما ينشر مقاله الركيك ذاك بين يدي الناس .. تجده معجونًا عجنا ، كلماته متنافرة ، وفكرته تائهة ، وجمله غير متجانسة مع بعضها البعض .
.
كمن يبنى حائطًا مرتبكًا ، طوبة من الفخار الأحمر ، وأخرى من الحجر ، وثالثة من الِلبن ، ورابعة من البلوك الأسود .. فيبدو المقال - هذا إذا جاز لنا أن نُسميه مقالًا – طلاسم وأحاجي ، أو كـ لوحة سوريالية عجيبة الملامح .. وما إن تقرأ منه أول سطرين حتى تعافه نفسك زاهدة .. ثم تنصرف عنه ، وأنت تقول مُعلقًا - في عفوية : ليته أراح - وأستراح .
.
واستطرادًا .... فقد رأيت وسمعت قبل فترة أحد كبار الفنانين ، وقبله نجم كروي كبير ومعروف .. سمعتهما وهما يقولان أمام جمهور عريض كلمة مختصرة ، لكنهما (تلخبطا) فيهما وتعثرا حتى اعتراهما - واعترى من حولهما - الخجل .. فأولئك مبدعون فقط في مجاليهما فقط ، لكن لا مهارة لهما بـ فن الحديث .
.
كما أنني قبل سنوات قد لقيت شاعر عرضة مشهورًا ، ثم تبين لي أنه لا يجيد فن الحديث .. فقط هو ممتاز جدًا في نظم القصائد والصدح بها ، حتى أن ميدان العرضة يهتز من جمال قصيده .
.
والواقع أنني مع المثل الدارج (مَن تحدَّث في غير فنِّه أتى بالعجائب) .. ولذا يتعين على كل أحد أن يعرف قدراته .. ثم لا يتجاوزها إلى مسافة أبعد .. فإذا كنت أنت مذيعًا لامعًا ، أو معلمًا جيدًا ، أو مهندسًا حاذقًا .. فأنا مثلًا نجارٌ ماهر.. فعليك أنت ، وعليّ أنا ، أن يكون كل منا مقتصرًا على مجاله - محافظًا على تميزه فيه ، دون أن يتجاوزه إلى سواه ؟
.
وفي الجملة فلكل منا - أقصد مجموع الناس - موهبة وتميزًا وخصيصة .. باعتبار أنه لا أحد في هذه الحياة بدون مميزات ومواهب شخصية .. انطلاقًا من الحقيقة الدامغة : بأن الناس – كل الناس – هم خليط من (الفروق الفردية) .
.
غير أني أستدرك هنا فأقول ......
إن ثمة من لديه موهبتين أو ثلاثًا ، وتراه مميزًا فيها جميعًا ، لكن أولئك (قلائل جدًا) بيننا .. ويظل (الحكم) على تميزك فيها ليس لك أنت .. ولكنه للناس الفطناء ، الذين يقيّمون الأمور بحيادية وموضوعية – ومن غير مجاملة .
.
ولذلك ... عليك وأنت تؤدي عملك أو تمارس موهبتك .. أن تفطن لعيون الناس ومشاعرهم من حولك .. ثم تعرف منها ... أين (موقعك - من الإعراب) ؟ ..
1 comment
ابراهيم العذلة
11/08/2019 at 3:02 م[3] Link to this comment
لله درك على مقالاتك الجميلة الرائعة التي تحكي وتلامس واقع بيننا