لا يُعارُ الهَمَلَ بالاً وهم ينظرون إلى المعلم نظرة ازدراء، أو يناصبونه العداء، أو يتصيدون أخطاءه في عَكَرِ الماء؛ لأنهم أولاً وآخرًا ضعاف عقول ونفوس، أمَّا أن يأتي الهجوم من الداخل، ممن انتسب إلى التعليم وقضى دهرًا في أحضانه، ومن يَعتدُّ ويتباهى بثقافته وعلُوِّ شأنه؛ فهذا لعمري الخذلان، بل قمَّة الخذلان.
ليست الأولى لي، ولن تكون الأخيرة في حمل لواء الدفاع عن المعلم، ولَجْمِ فاه كل متكلم؛ لأنني قضيت نيفًا فوق العشرين، أخدم في ميدان التعليم، متدرجًا في سلكه، معايشًا واقعه، سابرًا أغواره، متغلغلًا في أحلك خباياه، ولربما ألتمس للمدربة، والكاتبة، وباحثة الدكتوراه على مقاعد جامعات لندن، المهتمة بالأداء، ورافعة شعار ( بالتعليم نصنع)، (عزة السبيعي)، أقول: لربما ألتمس لها العذر في تذمُّرها من تلك الزيادة المتواضعة في درجة ورواتب المشرفين التربويين؛ لأنني لا أحسبها بلغت هذه المنزلة، أو ظفرت بشرف العمل في هذه المرتبة قبل أن تهرب من أجراس الحصص لاهثةً وراء درجتها العلمية، لتطلَّ علينا من هناك بعقليةٍ محجَّمة بدلاً من العقلية المثقفة، الواعية، المدركة، المهتمة بعظائم الأمور، المترفعة عن صغائرها.
ألم تخبرك جامعات لندن بشأن ميدالية فارس الامبراطورية البريطانية؟!
ألم تخبرك ثقافتك عن حصانة الدبلوماسي، ومرتبة الوزير التي يحظى بها المعلم في اليابان؟!
هل سمعتِ أن حاسدًا برز هناك من وراء الصفوف، أو أن حاقدًا انبرى من بين الألوف؟
المشرف التربوي الذي ألقيتِ بظلال كراهيتك وحسدك عليه أيتها الفاضلة - ربما لموقف شخصي - هو جزء من منظومة تصنع من التعليم شيئًا يعجز المنظِّرون من أمثالك أن يصنعوه، المشرف التربوي ينزل إلى الميدان ليُقيِّم ويقوِّم، ويقدِّم الدعم والأدوات، وينقل تجارب وخبرات الخبراء؛ لتحسين الأداء. المشرف التربوي يحفِّز النفوس التي أنهكتها حربكم الضروس، وحطَّت من عزائمها سهامكم المسمومة، وانتقاداتكم المحمومة.
تمنيت لو أنك سلكتِ مسلكًا آخر فيما ابتغيتِ، ولم ترتقِ المرتقى الصعب على أكتاف الآخرين؛ تمنيت لو طالبتِ بمساواةٍ في العطاء للمعلمين، لكنَّا لك من الشاكرين، لا من المنتقدين، أو لحديثك من الممتعضين؛ لأن المعلم الذي أُسْقِطت هيبته، وجُيِّشت الجيوش لدكِّ حصونه، وهدم إنجازاته، جديرٌ بالتفاتةِ تحفيزٍ وتعويض، تعيد فيه روح البذل والعطاء، وتكون له زادًا ومِطاء للأخذ بأيدي أبنائنا وإيصالهم إلى ذرى المجد والعلياء.
ختامًا فإن كل من حاول النيل من المعلم - ويبقى المشرف معلمًا - أو التقليل من قدره، أو زعزعة مكانته، أو ناصَبَهُ العداء، كل أولئك زُجَّ بهم في مزبلة التاريخ، وشقوا مع الأشقياء، وإن في ذلك لعبرةً للمعتبرين.