قبل سنوات اكتسحت موجوةٌ من الأشجار الشائكة الضخمة المنطقة الساحلية ما بين جدة وجازان - ولربما امتدت إلى مناطق أخرى لم يصل إليها ناظري - لم تكن تلك الأشجار معروفةً، حتى أن مصدرها مجهول، وانطلقت حولها شائعاتٌ كثيرة، إحداها ربطت وجود تلك الأشجار بواحدٍ من أصحاب المزارع؛ وتحكي أنه أحضر بعضًا منها من الخارج ليسوِّر بها مزرعته، ثم ما لبثت أن امتدت عبر السنوات، واستشرت وكأنها سرطان.
الملاحظ في تلك الأشجار ضخامتها، وتداخلها الذي كوَّن منها ما يشبه الغابات، ناهيك عن أشواكها التي وقفت آليات البلديات عاجزةً أمامها لولا تدخل المجنزرات. أما عن الفائدة - التي عودتنا عليها بقية الأشجار - فلا شيء يُذكر، حتى الظل الذي لا تبخل به الأشجار على متفيءٍ ينزوي تحتها ليلتقط أنفاسه لا نجده تحت تلك الأشجار؛ لأن فروعها تبدأ من أسفل الساق.
ما دعاني إلى سرد قصة هذه الأشجار هو ذلك الفيروس الخطير الذي بدأ ينتشر على منصات التواصل؛ لينخر شريعة، وقيم، ومبادئ المجتمع السعودي من الداخل بتصرفاتٍ مشينة، يتقمَّصُ أصحابها ثوب المواطنة، وهم أبعد ما يكونون عن المواطنة وشيمها وأخلاقها السامية، وحقيقة أمرهم أنهم ليسوا سوى مستوطنين، حالهم حال تلك الأشجار، تركوا مواطنهم، واتخذوا من هذه الأرض الطاهرة مستقرًّا لهم؛ ليبثُّوا فيها خُبثَهم، وخَبَبَثهم، وينشروا سمومهم، ناسين أو متناسين أنها أرضٌ تحرسها عين الله التي لا تنام، وأرضٌ أُسِّسَت على التقوى، وإقامة العدل، وقمع كل متجاوزٍ بيدٍ من حديد، وأن مواطنيها ورجال أمنها - على السواء - هم خط الدفاع الأول الذي سيفضح - بأمر الله وتوفيقه - مخططاتهم، ويكشف أسرارهم، ويزج بهم في ساحة التأديب؛ ليكونوا لمن خلفهم عبرةً وآية.
ولئن جاءت الخيانة على مر العصور من الداخل لتكون سببًا في تنكيس عروش، وسقوط إمبراطوريات، فإن هذا لن يحدث على هذه الأرض؛ لأن كلَّ فردٍ من أبنائها تجذٌّرت أصوله في ترابها، وسُقيَت بدمادٍ خالصةٍ نقية، وأثمرت تعاليمًا متوارثةً؛ تحكي أن كرامة المواطن من كرامة أرضه، وأن الإنسان بلا أرضٍ خِلوٌ من أي كرامة.
سدَّد الله قيادتنا، وأدام لُحْمَتنا، ووحدتنا، وأمننا، وأماننا، وكفانا شر كل من أضمر لنا شرًّا.