يا سبحان الله ، هل للمشاكل جمالٌ ؟ ... ما هذا ؟ ..
إن ما نعرفه – وما درجنا عليه - أن للمشاكل قبحًا - وأيما قبح .. فأين هو الجمال ؟ .
حسنا !! .. انتظر ؟
.
في واقع المعاش الذي نحياه ، ثمة من يرى أن المشاكل - بالنسبة للناس عمومًا - تُعد كالملح في الطعام .. وكلنا لا يمكن أن يأكل الطعام من دون أن يكون فيه قدر معين من الملح .. ولذلك أطلق عليها فقهاء علم الاجتماع - مُسمى (ملحُ الحياة) .
.
والعجيب أن أحداً مهما كانت عليه حالته من الغنى أو الفقر ، لا يمكن أن يعيش حياته من دون أن تظهر له مشكلة من هنا - وأخرى من هناك .. بدءًا من صاحب المنصب الكبير والمال الوفير ، وحتى عامل البلدية البسيط .. فلدى كل واحدٍ - من أولئك وهؤلاء - من المشاكل ما الله به عليم .. ومن يدرى فقد تكون المشاكل عقوبة .. أو أنها ابتلاء وتمحيص ورفعة درجة .
.
وفي عالم الفقراء هناك من تجده ، وقد فقد القناعة والرضا ، وذهب إلى حيث السخط والتبرم والضجر .. فازدادت همومه وتفاقمت مصيبته ، فوق أنه فقير أصلاً .. فأنت تراه يصيح وينوح مما آل إليه حاله .. والعجيب أنه يفعل ذلك من دون أن يجاهد نفسه في البحث عن عمل - أي عمل - حتى وإن كان بمقابل بسيط .
.
ولذلك تجد أن قلوب عدد من الفقراء مشتعلة بالحسد والحقد على الأغنياء ، فتجد الواحد منهم يترصدهم - بلسان الحال والمقال - ، لأنه يرى أن ما في جيوب الأغنياء ليس كله من عرقهم وكدهم ، معتقدًا أن بينهم من هو لص ، غشاش ، ومخادع .. وأن الأغنياء متكبرون وفيهم عجرفة ، فهم يذلونهم ويحتقرونهم عندما يقفون على أبوابهم يتسولون ما يسد رمقهم , أو أحيانًا ما يأملون أن يحصلوا عليه منهم من المال ليغطي كمالياتهم .
.
والخلاصة أن كلا الفريقين الأغنياء والفقراء على السواء ، لو هدأ كل واحد منهم ، وتصرف بعقل رشيد وبمنطق سليم ، وفهم معنى وحكمة أن يكون كذلك ، لارتاحت نفسه وهدأت فرائصه ، ولعاش في سلام ...
,
مع ملاحظة أن على الفقير أن يسعى في فجاج الأرض بكل جهده ، بحثًا عن عمل شريف يقتات من ورائه ، دون أن يركن للاستسلام ، أو أن يظل يندب حظه ويكتفي بأن يبقى (مبحلقَا) في الأغنياء ، فذاك أمر غير جيد (لأن السماء لا تمطر ذهبًا وفضة) مالم يجري الإنسان في مناكبها .
.
وعلى الأغنياء أن يعرفوا أن (أرتال) الدراهم التي يجلسون فوقها ، ليست بفضل ذكائهم ولا هي من بنات عبقريتهم ، وأنه لولا توفيق الله ثم لحكمة معينة لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ... لذلك يتعين عليهم – أولَا - أن يخرجوا زكوات أموالهم المشروعة كاملة غير منقوصة ، فان فعلوا فان ذلك ، فإنه مما يجعل المجتمع يعيش في نعمة وسلام .
.
فوق أن عليهم - كذلك - أن تكون كفوفهم نديّة ، يساهمون هنا ويدعمون هناك ... تحت ما يعرف بـ "المسؤولية الاجتماعية" هذه الثقافة المزدهرة في الغرب ، من دون مَنٍ ولا أذى ، ليس على سبيل الصدقة ، بل من منطلق "المسؤولية" الملقاة على عواتقهم - لدعم مناشط مجتمعهم .
.
ثم من جانب أخر .. دعني أعطيك شيئاً من مشاكل الأغنياء التي يظن الفقراء أن أولئك القوم (مبسوطين) على اطلاق الكلمة ... أو أنهم في بحبوحة من السعادة المترفة ، وأنه لا مشاكل عندهم .
.
لكن الصواب هو العكس .. فالغني يشعر - مثلًا - بالمرارة عندما يجد زيادة عدد (الآكلين) من حوله لثروته التي تعب فيها ، حتى أنه في حالات كثيرة يشعر كما لو كان (حارس فاشل) لها أو متفرج عليها .. ثم يزداد حنق الغني عندما يشعر أن الناس لا يتودد إليه (لسواد عينيه) وإنما طمعا في (هبرة) ينتزعونها منه إن استطاعوا .
.
والغني في قلق ملازم له بسبب حرصه على تنمية ثروته باستمرار من جهة ، وخوفه الدائم من ضياعها أو جزء منها ، ثم تراه في بعض خلواته أو حتى وهو مع الناس شارد الذهن يعيش الحيرة ، كونه أمام فرصة استثمارية جديدة ، لا يدري بالضبط مدى الربح أو الخسارة فيها .
.
والغني يعاني مما يُعرف بـ "عدم الاكتفاء" أو "عدم الامتلاء" .. فقلبه نهمٌ جشع ، حتى وإن لم يُظهر ذلك الشعور للناس ، حيث أن همه وهدفه الأساس هو مواصلة الاستحواذ على كميات جديدة من المال ، ما يجعله فقيراً في صفة (القناعة) التي تُعد أعظم نعمة على الانسان .. فضلًا عن مشكلاته مع من يعمل تحت يديه ، بل وربما تجده (غاصًا) في مشاكل داخل عائلته .
.
أنت وأنا ممن يعيش في مستوى معيشي ، فيما يُعرف بـ "الحال المستور" .. ربما نكون أفضل حالًا – نفسيًا على الأقل – من مليونير لا يعرف كم عدد ثروته – المنقولة والثابتة - بالضبط ...
.
فأحدنا يضع رأسه على المخدة ، ثم ينام سريعًا ، بل قد تسمعه بعد قليل وهو يشخر شخيرًا .. دونما الحاجة إلى ما قد يحتاجه – بالضرورة - عدد من الأغنياء من (الأقراص المنومة) ..
.
ولذلك ... على الناس ألا تنسى ولا تغفل عن قول : الحمد لله في كل الأحوال .
2 comments
فهد البخيت
01/24/2020 at 3:12 م[3] Link to this comment
بارك الله فيك ابا يوسف كلام جميل وهادف
مسفر المريخ
01/24/2020 at 3:22 م[3] Link to this comment
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله ، تبارك الله
كلام جميل وموفق ، وصدق الله تعالى القائل :
“ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ، لبتخذ بعضكم بعضاً سُخريّا ، ورحمة ربك خير مما يجمعون”
ولله در الشاعر :
الناس للناس من بدوٍ وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
طابت أيام الفقراء والأغنياء بالسعادة والهناء، وملأ الله قلوبهم بالقناعة والرضا .