ليس منا إلا ومن يمتطي كل صبيحة يومٍ وعشيته محموله؛ ليجدِّف قليلاً في محيطات التواصل، ويستكشف أغوارها، وما تزخر به من مستجدات، لكنه سرعان ما يتعثر بعددٍ لا بأس به من تلك الحالات التي أغرقتها تيارات الفقر والحاجة، وطفت بها على السطح طيبة أبناء هذا الشعب، وتعاطفهم، وحبهم لفعل الخير، ومبادرتهم إليه.
لن أقول إن هذه الظاهرة حديثة عهد، لكنني أستطيع أن أقول بأنها بدأت تأخذ جديَّةً واتساعًا في الانتشار، إلى درجة أن البعض لم يعد يتردد في أن يستجدي الناس بعض الملابس، أو المتاع المستعمل، وبعيدًا عن المصداقية من عدمها فيما يُذاع ويُنشَر، إلا أننا نشاهد مثل هذه الحالات عيانًا، ونقف عليها، بل وربما تجاورنا في مجتمعاتنا أحيانًا، وهنا سأتوقف عن الإسهاب في شرح تفاصيل الضحية، وأبدأ بتوجيه أصابع الاتهام؛ فأين دَوْرُ جمعيات البر ومؤسسات الرعاية الاجتماعية في عمليات البحث والإنقاذ؟!
أين تذهب الملايين التي تُضخُ في حساباتها من التبرعات، وتُشيَّدُ بها الأوقاف لدعم خزائنها وحساباتها بُغْيَةَ الاكتفاء، والاعتماد على دخل تلك الأوقاف في تقديم المساعدات، دون الحاجة إلى مزيدٍ من التبرعات؟!
هل يموت الناس جوعًا في انتظار قاعة أفراحٍ إلى أن تُشيَّد، وتُبهرَجَ بملايين الريالات؟!
أم يودَعُ ربُّ أسرةٍ السجن إلى حين الانتهاء من تشييد وقف الفندق، أو المجمع التجاري الذي غرقت الجمعية في تكاليف بنائه، وهرعت لطلب النجدة، ومدِّ يد العون من أهل الخير!
وهل يقتصرُ دور تلك الجمعيات في تقديم المساعدات على بعض المؤن الرديئة، والملابس المستعلمة التي يلقي بها المتبرعون في هذا الصندوق أو ذاك دون سداد دين ربِّ أسرةٍ مُعوَزٍ وعاجزٍ عن العمل، أو المساعدة في توفير فرصة عملٍ لعاطلٍ يئس وهو يبحث؟! والحُجَّة أن حساب المواطن، ومؤسسة الضمان الاجتماعي يقدِّمان القليل من الدعم المالي في ظل ظروفٍ معيشيَّةٍ صعبة، ويكفينا نحن أن ندعم بكيس دقيقٍ ربما أخذ كفايته من التخزين في أسوأ الظروف، أو بناء مسكنٍ لا يتجاوز حجم صندوق تبرعاتنا، بل قد يكون الصندوق أكبر حجمًا! أوَليست تلك الأسر تشتهي ما تشتهون، أوَلا يشتهي أبناؤها ما يشتهيه أبناؤكم؟!
وأخيرًا، ومع فائق التقدير والاحترام، ودون تشكيكٍ في الذمم؛ لأننا نحسب القائمين على تلك الجمعيات من أخوف الخلق للخالق - والله حسيبهم - لماذا يتشبث المسؤولون فيها بكراسيهم، ويحرصون أشد الحرص على عدم المغادرة؟!
ولماذا يقدمون الدعم أحيانًا من خلال بعض الشراكات ثم ينسحبون إذا غادرت العدسات؟!
ولماذا تقلصت أعداد العاملين حينما تحول العمل إلى تطوعيٍّ وطارت المرتبات؟!
المجتمع بحاجةٍ ماسةٍ إلى الإجابة عن كل هذه التساؤلات.
3 comments
الفتحي
01/30/2020 at 8:00 م[3] Link to this comment
بارك الله فيك أستاذ يوسف
تساؤلات تتطلب الإجابة عليها
أحد الإجابات هي أين ذهب العاملون عليها
أيضا لعل له عذرا وانت تلوم
فالشيطان يملي علينا الإجابة الأولى
والضمير المؤنب يملي الإجابة الثانية
فتخرج لنا اجابة ثالثة وهي الدعاء ب
حسبنا الله ونعم الوكيل
محسن
01/30/2020 at 9:32 م[3] Link to this comment
سلمت الأنامل استاذ يوسف ..بوركت وجُزِيت خيراً
نعم المجتمع بحاجة إلى وعي وإجابة عن تلك التساؤلات.
الزبيدي عوض
01/31/2020 at 10:58 ص[3] Link to this comment
بارك الله فيك مميز طرح موضوعي