قدحت شرارة هذا المقال في ذهني ، عندما مررت - قبل يومين - بأحد الأحياء في جنوب شرق جدة ....
الشارع الرئيس هناك به (كمية) مطبات اصطناعية ، ربما تصل لـ 20 مطبًا ...
كلها في ذلك الشارع الرئيس لوحده .. فكيف بالشوارع المتفرعة منه ؟
وكيف بالأخرى الطرفية ....؟
فهل مثلا يصل عدد المطبات في ذلك الحي إلى 100 مطب ؟
لا أعرف بالضبط ....
وأظن أن تلك المطبات تم اقامتها من أجل كبح سرعات المتهورين .. وبالتالي فهي محاولة من البلدية والمرور لإيقاف نزيف الحوادث المرورية ..
حسنا ....
.
لكن أليس هناك حل أخر .... غير تلك المطبات المزعجة ؟ ..
ثم أن من زيادة نكدها ، أنها ليست مطلية بالفسفور العاكس للضوء ، ما يجعلها تفاجئ السائق - وخصوصا لمن لا يعرف المكان من قبل - بالارتطام بها .. وعندها أعانه الله على (ابتلاعها) أو الاكتواء بنارها – لا فرق ...
من جانب أخر هناك من يشتكي من المصابيح المعطوبة لأعمدة الشوارع ، والتي يمر عليها - وهي هامدة في رقدتها - شهورًا بل ربما أكثر من عام ...
إلى جانب معضلة الحدائق ... التي إما أن يكون عددها ضئيلًا جدًا ، أو أن صيانتها (منسية) حتى صار بعضها مجرد اسم خالٍ من المضمون .
ثم هناك حشد وفير من الحفر الوعائية في الشوارع .. وثمة مشكلة تسرب المياه إليها .. إما مباشرة من طفح البيارات .. أو من المياه الحلوة الناتجة عن تسرب (الشبكة المهترئة) لشركة المياه ...
إلى ما هنالك من ملحوظات ، ونواقص ، ومؤثرات ....
....
ما تقدم - أعلاه - توطئة لابد منها .. لما سأقوله هنا ...
وهو ... أن المدن (وكذلك القرى والأرياف) لابد وأن تكون بيئات جاذبة ... فهذا شرط مهم يتسق مع متطلبات الحياة الحاضرة ، والمستقبلية ...
الكثير من مدن العالم – الآن وحتى من قبل سنوات - صارت تتباهى ، تفاخر ، وتتسابق على سلم الأولويات في ترتيب ....
أيها أكثر جاذبية ...
وأيها أكثر (أنسنة)
وأيها قد صارت (مدنًا صديقة) ...
صديقة لأهلها .. لسكانها .. ولزائريها معًا ....
.
الشارقة مثلا صارت مدينة صديقة للأطفال واليافعين لعام 2019 .. بترشيح من (اليونيسيف) ، تحت شعار "بداية صحيحة لمستقبل أفضل".
.
وقبل سنوات أطلقت الأمم المتحدة اصطلاح "هندسة المدن الصديقة للمسنين" .. بعد تزايد عددهم ، في ظاهرة ما يعرف بـ (تشييخ المجتمعات) .. يوجد في العالم الآن 650 مليون شخص فوق الـ 60 .. وسيزيدون إلى ملياري شخص بحلول عام 2050
.
وهناك مدنًا صديقة للبيئة .. منها ثلاث عواصم آسيوية هي طوكيو وبكين وسنغافورة صارت تتصدر القائمة ، فيما يتعلق بوسائل الانتقال فيها.
لأن معظم سكانها يذهبون لأماكن عملهم إما سيرًا على الأقدام ، أو باستخدام مواصلات عامة، بينما أعداد قليلة نسبيا يستخدمون السيارات الخاصة بالتنقل.
.
وهناك مدنًا صديقة للعائلات .. كبرلين وإيبيريا وفلنسيا ومدريد .. وفق معايير عدد الأماكن الجميلة والمعارض والمتاحف المناسبة للعائلات ، فضلا عن معدلات التلوث والسلامة ... الخ .
..
وتبقى مسألة (أنسنة المدن) واحدة من أكبر التحديات لصناع القرار وعمد المدن ومسؤولي البلديات .. في كيف يمكنهم أن يصوغوا مدننا تصبح تتعاطف مع سكانها ، تحترمهم ، وتلبي حاجاتهم من الصغير للكبير ..
مدنا ليس فقط أبراجًا عالية وأرصفة وشوارع فسيحة كمكونات مادية فقط ، بل يتقدم كل ذلك مدينة تغذي الروح ، عبر مشاريع حسية تستدعي ذاكرة المكان .. مدنا لا تقزمك كإنسان بمبانيها ، ولا تخنقك .. بل مكانًا يشعرك بقيمتك ، بماضيك ، بتاريخك وحاضرك ، عبر مشاريع (استدامة مستقبلية) .
ولو تم ذلك لما تشابهت المدن مع بعضها أبدًا ، بل صار لكل مدينة نكهتها ، ومذاقها الخاص ، وفرادتها ... لأنه سيكون للسكان فيها دور كبير في تشكيلها .
...
ويبقى السؤال المهم حقيقة ..
أين مدننا العربية من كل ما تقدم .. وما الذي يراه ، ويخططه ، ويعمل على صياغته المشتغلون بالشأن البلدي والحضري فيها ؟
وهل هم مهمومون ، مشغلون - فعلًا - بهذه الأفكار والتصورات والرؤى المستقبلية ؟