كنا في جلسة خاصة وبدأ الحديث عن كرة القدم ، والأندية والتشجيع الكروي ، ثم بدأ هذا يمتدح فريقه بمبالغة ، وذاك ينتقص من الفريق الآخر بتهكم مؤذٍ .. وزاد الجدل حتى كاد يفسد علينا تلك الجلسة الجميلة ، التي انتهت بعشاء لذيذ كدنا نأكل أصابعنا وراءه.
.
وخلال الجلسة تحدث أحد الرفاق بكلمات جميلة فيها عين الحكمة – كما يقال – عندما قال إن التشجيع الكروي لابد أن يكون معتدلاً على طريقة "لا ضرر ولا ضرار" .
.
ومن ذلك ألا تقدح في فريق صديقك الذي يشجعه حتى لا تدفعه إلى حافة الغضب ، الذي قد يتطور .. ثم تفقد صداقته ، أو في أحسن الأحوال تهتز صداقتك عنده ..
.
والعجيب أن ثمة من يقدحك بسؤال اعتباطي فج : (ليش تشجع فريق .....) ؟ ... يريد منك أن تشجع فريقه هو – بحيث تصبح نسخة منه .. كنوع من اعتساف ذائقة الناس ، ولوي عنق اتجاهاتهم (بالمشعاب) ... وإلا فأنت لا تفهم .. أو لست بصاحبه .
.
وانبرى فريق آخر من الرفاق ليقول : (وش الفايدة من التشجيع ريحوا نفوسكم، اللاعبين يأخذون الملايين وأنتم تتضاربون ، أهل العقول في راحة) .
.
وقال ثالث : يا أصدقاء - التشجيع هو اشباع عاطفي لناحية مهمة في وجدان عدد من الناس ، وهو عندما يختار ذلك فإنه لرغبته في أن يشبع تلك الوجدانيات في نفسه وفق قناعاته .. ثم أنه من الخلل أن يظل الانسان يقيم الأشياء من حوله على أساس مادي (فلوس - فقط) فلا يفعل شيئًا إلا أن كان ورائه مالاً سيحصل عليه .
.
ألا ترى أنك بحاجة وأنت جالس في بيتك إلى أن تذهب للنزهة إلى البحر أو الحديقة أو الوادي الأخضر المليء بالمياه ، هذه أيضاً ناحية وجدانية ، وأنت بحاجة إلى إشباع نفسك بها ، ليظل عندك قدر جيد من التوازن النفسي / الوجداني.
.
وثمة من يشجع الأندية والكرة عمومًا لهذا الغرض ، وثمة من يسافر إلى المناطق أو البلاد ذات الطبيعة الخلابة ... وغيرهم يجد متعة في الألعاب الإلكترونية ، وآخرون شغوفون بالسمر في الصحراء على (شبة الضو) .... الخ .
.
كل هذه الأغراض والهوايات والممارسات هي حاجات ذاتية داخل النفس ، تحتاج إلى اشباع وإرواء، ولكن كلمة السر في كل ما تقدم هي (التوازن) ....
أن تكون كل هواية ضمن المعدل المتوازن الذي ترضي به نفسك ، ولا يذهب بك إلى الشطط وبالتالي مصادمة الآخرين .
.
ويظل من الذوق وعلامة التحضر أنك وأنت تتمثل التشجيع الكروي ، أن تكون محاوراً ومنافحاً عن فريقك بهدوء وأدب وبأفضل الردود ... وعكس ذلك أن تتهكم على الفرق الأخرى وتصمها - هي ومن يشجعها - بأوصاف قبيحة وكلمات بذيئة غير مؤدبة.
.
وقال : حقيقةً فقد جمعتني الحياة بأشخاص .... منهم رؤساء أندية ولاعبون كبارًا وإداريون مؤثرون ، واللافت أنني لم أسمع منهم إلا جميل الكلام وروعة التعليق .. بل والاعتزاز بالفرق المنافسة واحترامهم لها .
.
وقال : إليكم هذه الحكاية .....
ذات مرة جمعتني ظروف عملي لحضور حفل في جمعية خيرية في جدة ، وإذ بي ألتقي بإثنين من الإداريين ، واحد من النادي الأهلي ، وأخر من نادي الاتحاد .. وإذا بأحد الإداريين يقول لي :
.
ذات مرة وخلال أحد تمرينات فريقنا لكرة القدم في معلب النادي ، وأنا أعبر أحد الممرات ، وجدت إثنين من الأطفال أحدهما يلبس قميص فريقنا ، والآخر يلبس قميص الفريق المنافس لنا - لكنه مقلوباً !! ..
فلفت ذلك انتباهي .. كيف يلبس الطفل القميص مقلوبًا..
ثم سألت الطفل لماذا تلبس قميص (فريق .....) مقلوباً .. فقال لي : أنا (خايف) أحد يطردني لو لبسته بالشكل الصحيح .
.
وواصل الإداري كلامه قائلاً : لقد هزني ذلك الموقف من أعماقي .. وعرفت مدى ما وصل إليه التعصب - حتى أثر على أطفالنا .. فما كان مني إلا أن طلبت منه أن يلبس – فورًا - القميص بالطريقة الصحيحة ، ثم يحضر في أي وقت يشاء .... فالنادي للجميع .
وشددت على الطفل : إذا وجدت مضايقة من أحد تعال إلى مكتبي ، وأخبرني على الفور.