رائحة المطهرات نفاثة .. عابق بها الممر.. والممر موصودةٌ به الأبواب.. أبواب متتالية بلونٍ شاحبٍ ، وخلفها قلوب مثقلة بألوان المعاصي تفر من الحياة إلى سجن الاختيار في عزلة العنفوان المتهالك، تنفضُ زيف جبروت الإنسان ..!
إلى الباطشين و الجبارين في الأرض والضعفاء والمساكين والمرضى والسجناءوالخائفين والأمنين ، إلى حاملي السيوف وقاتلي البشر..إلى كل إنسان يخالط البياض قلبه.. أهدي بعضا من هذياني ..!
يقول الله تعالي : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " لا نعلم لعل الله أراد بنا خيرًا ومنحنا قبل حلول الأجل، فيروساً يتفشى في عجل، لتكون فرصة لنختلي بانفسنا ونراجع معها فهرسالأعمال فأن خيراً وجدنا اغتبطنا ، وأن شراً وجدت استغفرنا ..!
الله سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه .. و تضرعه .. و دعاه.. ويستشعر لطف الله بعباده، ويستحضر رحمة الله بخلقه.. وعظمة الخالق، فلعل في البلايا عطايا .. وفيالمحنة منحة، فلنسرج خيول الدعاء ولنسارع بالتضرع، و ننيخُ مطايانا بباب الله الواحدالأحد الفرد الصمد..!
فسبحانه وحده ملاذ الخائفين ، وسبحانه وحده عوناً للمتعبين ، وسبحانه وحده رحيماً بخلقه فرحمته وسعت كل شيء، قال تعالى : "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" الأعراف١٥٦
أُرهقت الأرض بإرهاصات البشر ، ولوثت من خطاياهم ، ولونوها بكل ألوان الكدر، فآن لها أن تستريح من لهو البشر .!
شُوهت مرآة السماء الصافية، من صور وحشية الإنسان الدامية، وحزنت وتمثلت بسحبٍ سوداء ، وافتقرت و تاقت للدعاءِ، والعودة والرجاء..!
أرسل الله فيروس (كورونا) رحمة منه ليوقظنا من كبرياء أنفسنا، رغم عدم رؤيته بالعين المجردة، جاء ليلفت انتباهنا إلى صغر أحجامنا أمام عظمة الخالق بأضعف مخلوقاتهالتي لا نراها..!
فحتماً وجب علينا ان نعقم علاقتنا بخالق السموات والأرض،قال تعالى: "وإذا سألكعبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي...." البقرة :١٨٦
وعلينا أن نعقم قلوبنا بمعقم الصدق والإخلاص واللجوء إلى الله بالحب والمودة والتراحم و نوصد كل باب يدخل منه الكره بكمامة المحبة ..!
كمموا افواه قول الزور ، كمموا ابواب الغش .. والرشوة.. والربا و الكذب .. و الخداع .. والرذيلة ، وسفك الدماء ، كمووا افواه المدافع والبنادق واوصدوها ... وافتحوا ابواب الخير على مصرعيها حتى نستنشق عبير المحبة وننشر أريج الأخاء..!
لنرتدي قفازات الأمل، حتى نزرع الخير في المجتمع ، لتتساوى بصمات الأصابع إن لامسنا الحياة بأيدينا؛ فتفرُ منا جراثيم الجريمة .. وجراثيم اليأس، قبل جراثيم الفيروس.. !
لنعزل عقولنا بالعودة إلى الله خيرّ من الانزلاق خلف لأفكار والمشاعر السلبية التي تلهينا عن الأشياء الجيدة في الحياة.!
علينا أن نفلتر أفكارنا السيئة في حجر صحي حتى تتعافى مما أصابها في الأيامالخالية !
متى سنعي أن ليس لنا لغة عربية أو أعجمية نلهث بها أو نهذي بها هذيان المحموم مع فيروس كرونا فمن أين لنا ذلك حتى يفهم الفيروس شكوانا .. ويكشف ظلمنا .. ونخبره بضعفنا .. وعجزنا أو يفهم معنى الرحمة .. ويعرف قيمة المروءة .. ؟!
عندها سندرك أن للإنسان قلباً أقسى من قلب فيروس كورونا فكلاهما سواءٌ في حب الفتك والشر والميل إلى الأذى ..!
متى ما عزلنا عقولنا وعلمنا علم اليقين أن الإنسان العاقل والحيوان الملهم المدرب والنبات المتنامي المختلف الألوان والجماد من حولنا وكل ماخلق الله سواءٌ بين يدي الله وقوته الإلهية، التي لا ينفع معها حولٌ ولاقوة، إلا باللجوء إلى الله بالدعاء، و اللوذ بقارب النجاة، و نمخرُ بشراع الصبر بحور الأمل، فلعل الأمل يعوض علينا في الغدِ ما خسرناه في الأمسِ ..!
علينا أن لا نجعل اليأس والقنوط من رحمة الله سبيلاً إلى النفوس، قال تعالى: "قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" الزمر:٥٣
فرصة لنحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب ، فكل الأبواب أغلقت أبواب التعليم، فهل نعي الدرس الرباني في منازلنا ، أبواب المساجدأغلقت والمآذن تصدح بالتكبير يخالطه البكاء ، فلنصل في بيوتنا أو رحالنا صلاة المودعين ..!
حتى أبواب البيوت غُلقت على أصحابها .. وأبواب.. وأبواب ..الخ
كل الأبواب موصدة، إلاّ باب مازال مفتوح وهو باب الدعاء فأبواب السماء لم تغلق وأبواب رحمة الله لم تغلق بعد فمازال المجال مفتوح.!
فقط نحن بحاجة أن نلهث بالدعاء بإخلاص إلى الله، والثقة بالله، ثم الثقة بالله، ثم الثقة بالله ؛ بأن الله هو الرحيم بعبادة ، قال تعالى :" وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْسَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِوَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" الأنعام٥٤