عندما يقودك حظك العاثر ، للالتقاء بشخص كالح الوجه ، بذيء الكلام ، (لا يأخذ الحق ولا يعطيه) ...
فإنك حتمًا .. وقطعًا للجدل البيزنطي الطويل معه .. ستقول له في نهاية المطاف : شكرًا .
ثم تنسحب مؤثرًا السلامة ، على طريقة أمرئ القيس ، في شطر بيت شعر له : (حتى رضيت من الغنيمة بالإياب)
.
ولعلنا وفي هذه الأيام لا نجد ما نقوله لـ "كورونا" وقد (نشب في حلوقنا) غير : شكرًا !!
نقولها على مضض ، ونحن لا نقصد تمامًا معناها الدلالي الجميل .
.
ويظل من الثابت ان الازمات تخلق محنة ، وأزمة ، وقلقًا .. لكن الحصفاء هم من "يحول المحنة إلى منحة"
ثم أن الشدائد تفتح عيون الناس على زوايا لم تكن واضحة .
وتؤكد على مواقف وقيم لم نكن نشعر بها كثيرًا ، لأننا نعيش داخل دائرتها .
.
أزمة كورونا قالت لنا .. أشياءً كثيرة .... منها :
إن مشروع المملكة العربية السعودية في التصدي لـ "كورونا" كان فريدًا ، شجاعًا ، ونبيلًا .. وهو مشروع عالمي بامتياز، ويستحق أن نقول عنه بصدق وفخر أنه (نموذجي) .. وعلينا أن نفخر ونزهو بهذه الملحمة التي نصنعها حاليًا – نحن السعوديين - قيادة وشعبًا من خلال إبداعاتنا في (فن إدارة الأزمات) ، وسيتناقل العالم – حتمًا – تجربتنا ، وسيرتل في محاريبه أن (النموذج السعودي) كان من أبرز النماذج الأنجح عالميًا .. تمامَا كما نجح النموذج الصيني .
.
أزمة كورونا قالت لنا : إن الشعب السعودي شعب عظيم وجبار .. وأن اللحمة الوطنية للسعوديين ستظل على الدوام علامة فارقة .. وتزداد صلابة وجسارة في الأزمات كما نشاهد الآن في تلاحمنا الفريد في معركتنا مع كورونا .
نحن - أيها الاخوة - أناسٌ جبارون كجبل طويق ، كما وصفنا ذات مرة سمو ولي العهد - حفظه الله –
.
أزمة كورونا قالت لنا : إننا بدءًا من القيادة وحتى أخر مواطن من الشعب ، أمة (إنسانية) ولنا أخلاق عالية .. نحن لسنا (برجماتيين) ، وقد أكد هذا بكل وضوح خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - في كلمته الأخيرة .. عندما قال إن صحة المواطن والمقيم على أرض المملكة هي (الأهم) .
ومعنى ذلك – باختصار – أن قيادتنا ستفعل (كل شيء) وأي شيء ، من الإجراءات الاحترازية - كبيرها والصغير .. وستبذل (كل ما تملك) من مال وجهد وإجراءات من أجل دعم المحاور الصحية والغذائية والأمنية للناس .
.
هنا يتجلى النبل ، وترتفع القيمة الإنسانية ، وتزدهر المُثل والشيم والأخلاق الأصيلة ... وتتساقط من حولها مثالب الرأسمالية والبرجماتية التي تحتكم إلى النفعية المادية (حساب التكلفة المادية) حتى في المحن والازمات الخطيرة ، بما يجعلها تزهد في الإنسانيات ، ويمكن لها ببساطة أن تضحي بالإنسان من أجل الاقتصاديات ، فلا يظل الإنسان في حساباتها الرديئة سوى رقم من الأرقام .
ولذلك سقط (النموذج الغربي) في مشروعه للتعاطي مع أزمة كورونا ، بتلك الحيثيات المادية المقيتة .
.
أزمة كورونا قالت لنا : أن الإنسان مهما تكبّر وتجبّر وامتلئ بـ "الأنا" المتضخمة ، فإنه مخلوق بسيط ، يمكن أن يهوي ميتًا أمام عطسة .. وأن عليه أن يعرف حجمه الحقيقي أمام خالق الكون ومدبر الأرض والسموات سبحانه ، وأن عليه أن يثوب إلى رشده ، ويمشي (الهوينا كما تمشى الوجي الوحل) .
.
أزمة كورونا قالت لنا : أن الأصل أن يكون الإنسان أخو الإنسان ، في (تشاركية متوازنة) لعمارة الأرض بالخير والسلام ، والحب والتعاون .. فلا يجوز لأحد أن يضع الأخر (تحت إبطه) لمجرد أنه الأقوى ، الأغنى ، أو لأن (دمه أزرق) .. ولا مسوغ لأحد أن ينظر شزرًا للأخر ، وفق تقسيمات نرجسية لا تخدم فكرة التعايش السلمي بين البشر في (المشتركات) المعروفة .
.
أزمة كورونا قالت لنا : أن أوروبا (العظيمة) التي ما فتئت تمشي (تتمخطر) يمكن لفيروس ضئيل لا يُرى ، أن يجعلها تجثو على ركبتيها تنوح .. من روما إلى باريس فبرلين ولندن ومدريد .. ولـ ولايات كـ نيويورك وإلينوي وكاليفورنيا أن تنكفئ على نفسها فزعة مذعورة ، وهي التي تُعد بمثابة ثلاث دول مستقلة لضخامة انتاجها ..
.
وأظن أن دولًا فقيرة في أفريقيا صارت تنظر للمشهد في الغرب وهي معقودة اللسان ، حائرة ، أمام السؤال :
إذا كان أولئك من ذوي العيون الزرقاء ، أصحاب الاقتصاديات المهولة ، قد فشلوا .. فما هو حالنا لو طاف بنا طائف من كورونا ؟
.
أزمة كورونا قالت لنا : أن التنين الصيني (الخطير) لن يكون إلا الرقم الصعب القادم ـ والذي يستحق أن يُدرس جنبًا إلى جنب مع النموذج السعودي (الباهر) ، عندما أثبتا للعالم كيف كانا بارعين في المناورة خلال معركتهما الضارية مع أنياب ومخالب كورونا ... فقد رميا بالكنز الاقتصادي أرضًا وجعلاه مسخرًا لصحة الإنسان ، وحسمت الصين المعركة ..
ونحن هنا في السعودية سنحسم قريبا بحول الله المعركة بنصر جميل .. بعد جولات مصارعة مرهقة .. سنحسمها بالضربة القاضية .
.
أزمة كورونا قالت لنا : كم هي مهمة (قيمة) العلم الحديث ، و(الطب) ، والبحث العلمي ... وما يلحقها من الأمن العلمي والصناعي والغذائي ..... الخ .. وأن من يغفل عنها إلى غيرها ، سيكون نهبًا للمجهول .
.
وختاما .. فإنني أظن أن كثيرًا من التعاملات والمفاهيم ، والكثير من القيم والعلاقات .. لابد أن تتطور ، تتبدل ، وتتم مراجعتها .... بعد هذه المحنة المريرة ، التي ستنقشع لا محالة عما قريب بحول الله .
.
والمؤكد .... أن عالم ما بعد كورونا ، لا بد أن يكون عالمًا مختلفًا عن عالم ما قبله ..
.
الرسالة وصلت .... فهل يتعظ العالم ؟.