لقد تزوجا عن حب وعاشا هدوء الفكر وراحة البال لفترة من الزمن ، أثمرت عن انجاب ثلاثة أولاد وتكوين أسرة ناجحة ، فقد تعاونا معاً على تربية الأبناء وتعليمهم ، وتقاسما معاً حلو الحياة ومرٍّها ، واتفقا معاً على أداء الواجبات وتحمل المسؤوليات ، إلى أن اخترقتهم سوسة جمع المال فبدأت تنخر في عشهم الزوجي وتنغص عليهم حياتهم الوادعة وعيشهم الآمن.
لقد التفت كل منهم إلى عمله الجديد في المضاربة بالأسهم والعملات ، وإلى الاستزادة في جمع الثروة والمقتنيات ، ولكن أحداً منهم لم يعر الأسرة أدنى اهتمام ولم يسع لحمايتها أو حتى للحفاظ عليها . فقد غيّر المال حالهم وراجع أدوارهم . في السابق كان منزلهم أنيقا حيث تساعد الجميع على صيانته ، وغذاؤهم كان صحياً حيث أتقن الكل فن الطبخ فيه ، ودرجة أبنائهم العلمية كانت هي الأعلى حيث ساد النظام وفرض الانضباط ، ولغة الحوار والتفاهم كانت هي الوسيلة المثلى للتخاطب بين الآباء والأبناء ، والرضا بما قسمه الله عليهم كان ديدنهم وسر سعادتهم . فمن حالة كدٍّ واجتهاد للأبناء الى كسل واستهتار ، ومن اعتدال في اللباس والزينة إلى المبالغة في صرعات الموضة ومستحضرات التجميل ، ومن لقاءات بهيجة وضيافة خفيفة للأهل والأصحاب إلى ندرة في الاجتماع وبذخ عند الاستضافة ، ومن نوم هانئ عميق إلى قلق وتوتر وسهر على جغرافية المكان وخزائن اكتناز المال، ومن تواضع في التعامل مع الآخرين إلى تكبر واستعلاء ليس له مثيل ، ومن جود في الصرف على الأعمال الإنسانية إلى بخل وتقطير .
هل يفعل المال بنا كل هذه المخالفات ؟ ! بالطبع ليس كل الناس سيّان ، فالإنسان الذي طمح أن يرتقي بإمكاناته المادية ليصبح ثرياً ، وكان له ما اشتهى من مال وأعمال، عليه أن يرشد هذه المنحة ويستثمرها خير استثمار ، وأن لا يصاب بالغرور لأنه أكثر القوم مالاُ !، بل الواجب يقتضي وبفضل ما حباه الله من نعم وأرزاق وقدرة على صناعة القرار ، أن يكون أكثرهم نفعاً وفائدة للناس ،وأحرصهم وفاء بالعهود والمواثيق ، وأشدهم دفاعاً عن حقوق الضعفاء والمظلومين ، وأكثرهم التصاقاً بأهله وأفراد أسرته حيث لا مصالح شخصية تعلو على حقوق الأبناء ولا جفاف عاطفي يتعمق بين الأزواج .
وقد قيل في المال :
" لا يمكن شراء الحب بالمال ، ولكنك بامتلاكه تستطيع تحسين موقفك التفاوضي " .
" من قال أن المال لا يمكنه شراء السعادة ، فهو ببساطة لم يعرف أين عليه أن يتسوق