في هذه الأيام الصعبة التي يعيشها العالم ، حيث الجائحة الوبائية تنهش في رئة أحباء لنا من كبار وصغار ، وحيث صار لزاماً على المتعافين من البشر أن يقرّوا في بيوتهم خوفاً من التقاط العدوى ، أرى أن الانسان الذي استأمنه الله وفضله على سائر الخلق أجمعين ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ، عليه أن يكون أقوى مناعة وأكثر تدبراً ، ليقلب المحنة التي ألمت به إلى منحة تعود عليه ومجتمعه والإنسانية بالخير الوفير ..
وعلى مرّ التاريخ البشري ، نلاحظ كيف كان للأوبئة والكوارث والحروب من تداعيات على الشعوب والحضارات . وعندما نقف على الابتلاءات نجد هناك منها الجلل وهو ما اصاب رسول الهدى صل الله عليه في مكة المكرمة وقطعت عنه ومعه بني هاشم الإمدادات والأرزاق ، إلى حد الجوع والحرمان ، فما زاده ذلك إلا ثباتاً وإصرارا على مواصلة المسير وتبليغ الدعوة.
وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب تفشى طاعون عمواس بعد فتح بيت المقدس وكان أشده في بلاد الشام ، وهلك بسببه العديد من القادة والخلق الكثير ولم يرتفع هذا الوباء إلا بعد أن وليهم عمرو بن العاص خطب بالناس قائلاً كلمته الشهيرة :" أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار ، فتجنبوا منه في الجبال " .
لقد نهضت اليابان بعد أن دمرت الحرب العالمية الثانية اقتصادها وهدمت مدنها فاستطاع الانسان الياباني المعجزة أن يلحق بركب الغرب الصناعي وينمي قوته الاقتصادية والعسكرية في فترة قياسية . لقد تفشى مرض الكوليرا في جيسور بالهند في الفترة ما بين 1817- 1823 م ، واودى بحياة الملايين ، فخرج على أثرها الطبيب البريطاني جون سنو ببعض الاجراءات التي تحد من انتشار الوباء وتخفف على الهنود أعراضه . لقد قتل الجدري الملايين من سكان أمريكا الأصليين خلال القرنين الخامس عشر والسابع عشر ، الأمر الذي سهل على الأوربيين استعمارهم للأمريكيتين وتطويق المناطق التي تم إخلاؤها ومن ثم تغيير تاريخها .
إن عالمة النفس كوبازا (kobasa ) تعرف الصلابة النفسية للإنسان بأنها : " اعتقاد عام للفرد في فاعليته وقدرته على استخدام كل المصادر النفسية والبيئية المتاحة ، كي يدرك ويواجه بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة " . إن الظروف الاستثنائية التي نعيشها حالياً تتطلب منا مزيداً من التماسك النفسي ، مزيداً من الترابط الأسري مزيداً من التكافل الاجتماعي ،مزيداً من التثقيف الصحي ، مزيداً من التسامح الديني ، مزيداً من التلاحم الوطني ، وبإذن الله سنتجاوز هذه المرحلة وسنصبح على " غدٍ أحلى " .