(طقس) كورونا ما زال يأخذنا في تجوال لاهث، بين هنا وهناك، (الإصابات تعدت أمس الخميس سقف المليون في العالم) .. فقد بدل سلوكياتنا وغير تفكيرنا، وجعلنا نقرّب البعيد ونبعد القريب.
وبذلك فإننا عشنا ولا زلنا نعيش معه لحظات (دراماتيكية) لم يكن أحد يتوقعها، حتى ربما العاملون في أفلام الخيال العلمي، بكل ما فيها من (الفانتازيا) والفلسفات والسحريات والقوى الخارقة.
.
ولأننا في زمن كورونا، فإنني – ومن خلال السطور التالية - سأواصل (الدندنة) حول هذا الموضوع ..
ومن ذلك كما قال لي أحدهم، أننا مازلنا نعيش لحظات سمر عجيبة وبديعة (افتراضية) في قروبات الواتساب، كما لو كنا (متربعين) مع بعضنا في مجلس واحد.
.
أحد أصدقائي قال لي : لم أعد أشتري طعامًا من الخارج أبدًا .. كل شيء صار من صنع مطبخنا (الجميل)، الذي لم تعد ناره تنطفئ ..
عندها تبسمت، وذهبت بي الذاكرة في رحلة (بانوراميه) عبر الزمن، إلى حيث نار حاتم الطائي ذلكم العربي الجواد السخي، الذي لم تكن تنطفئ له نار ... حتى قيل إن زوجته تزوجته لكرمه، وطلقته لكرمه أيضًا.
.
واستطرادًا ... فلك أن تتخيل الأكلات السعودية الشعبية، الكثيرة والشهيرة، وقد (قام سوقها)، وبدأت مطابخ بيوتنا تضخها لنا كل ليلة على موائدنا .. بدلا من تلك الوجبات السريعة التي انكببنا عليها دهرًا، ومأكولات مطاعم المندي ، والشاورما وأخواتها .. وأقداح القهوة والكابتشينو من الكافيهات التي كنا ندلقها في المولات الكبيرة .... الخ ....
بحيث انقلب الوضع - الآن - إلى (كله صار بيتي – بيتوتي)
.
ولك أن تتخيل أحدنا وقد بدأ يعمل (جردة) حساب لعلاقاته مع الناس، فهذا بينك وبينه خصومة، وذاك أنت (زعلان منه حبتين) .. وعليه، فلابد أن تفتح عليه خط هاتف ، أو أن تدفع إليه برسالة (واتسابية) لعلها تكون بادرة حسن نوايا في تقريب المسافة بينك وبينه .. ومن يدري فالعمر قصير، وكورونا يترصدنا .. والمسامح كريم .
.
وثمة من صار يشهق قلبه (بل الجميع كذلك) وهو ينصت بخشوع لصوت المؤذن، وهو يرفع النداء الخالد، الذي يشق عنان السماء ليلًا ونهارًا .. ومن ثم فأنت وأنا نلهج بالدعاء أن يزيل الله تعالى عنا هذه الغمة، ويحفظ البلاد والعباد، ونعود لمساجدنا.
.
وثمة من انصرف للمبادرات الاجتماعية التي تتم (تحت إشراف الجهات الرسمية)، سواء كان منظمًا أو متبرعًا أو متفاعلًا معها، في حنوٍ ظاهر على المحتاجين والمعوزين .. بما يؤكد خيرية مجتمعنا المبارك، وفطرته المتسقة مع هدي الإسلام الحنيف.
.
وثمة من صار مؤمنًا ومرتاحًا لـ (قعدة البيت)، ورأى كم هي حلوة وجميلة، حتى إن منا من صار يتفرس في لون الأبواب والجدران والكنبات، وكأنه يكتشفها لأول مرة .. وبدأ لطيفا مع أهله أكثر، يسأل بتؤدة، وينتقد بلطف مع ابتسامة بهية، حتى وإن كان متقاعدًا.
بحيث لم يعد يصدر صرخاته المعهودة (طفوا اللمبة، شيلوا الصحن، قصروا التلفزيون) .. تحسبا من أن أي خلاف - لا سمح الله - سيجعله ينام مطمئنًا تحت سلالم العمارة .
.
وهناك من بدأ يفتش في "ميموري" جمجمته، محاولًا استعادة مواقف وحكايات قديمة طواها الزمن ، لكنه بحكم "الفضاوة" (ينتخشها) ليرويها لمن حوله في البيت ، كنوع من المسامرة الجميلة مع أهله، خصوصًا إذا كان بين أيديهم دلة القهوة وشيئا من التمر السكري أو الصفري أو البرحي ... الخ .
.
ولم يعد أحد يشكو – كما كان سابقا - من زحمة ما ينشر في قروبات الواتساب من النسخ واللصق، بكلام مفيد أو تافه أو مكرر.. فهذا أو ذاك من الناس صار لديه – الآن - متسع من الوقت، لـ "يلتهم" كل ما يتدفق إلى هاتفه المحمول من سيل الرسائل المنهمرة كالشلال.
فتراه - أمامها - تارة مقطب الجبين، وأخرى يقهقه منفردًا، وثالثة يهز رأسه مثل شاعرٍ شفه الوجد وأضناه الغرام، وهو يردد : (ياونتي ونة مريض العصافير .... وإلا غراب (ن) عاشق (ن) له حمامة).
.
أخر خبر قرأته ليلة كتابتي هذا المقال (مالاوي تسجل أول ثلاث حالات إصابة بفيروس كورونا) خبر عادي عند بعض الناس، لكنه لم يكن عاديًا عندي، فأنا لا أعرف مالاوي، وبعد البحث وجدتها دولة إفريقية (حبيسة) .. وبالبحث وجدت ان معنى حبيسة، هي الدولة التي لا تطل على نهر أو بحر أو محيط، وهناك في العالم 44 دولة حبيسة، منها كازاخستان النمسا والنيجر وأفغانستان ....
.
نعود لموضوعنا ونقول ... أنه من الجميل حقًا، ومما يثلج الصدر، هو التزام الناس - كل الناس - بـ (قعدة البيت)، التزامًا منهم بالتعليمات الرسمية، وإيمانا منهم بأنها "طوق النجاة الوحيد" بعد إرادة الله لحمايتهم من هذا الكورونا الشرس، الذي استطال شره وتفاقم خطره، ولم يعد له من حل وحيلة، سوى أن نقهره بـ (التباعد الاجتماعي) .
.
ثم أننا - بحول الله – وقريبًا، سنسقطه أرضًا .. ونعود لحياتنا الطبيعية، نحكي قصصنا معه لبعضنا، وللأجيال القادمة .. ونحن نرفل في ثياب العافية.
.
وأخيرًا .. لا تنسوا التماهي مع المثل الدارج : (خلك بعيد .. حبك يزيد)؟.