لا أدري لماذا (يصرّ) بعض الناس على أن يظل " ثقيل دم " و "نكدي" .. فالسنوات تنسحب من أمام الواحد من أولئك بطولها وعرضها، فيما هو على طبيعته تلك، لا يكاد يرضى بغيرها بديلاً.
.
صحيح أن الكثيرين استطاعوا أن يغيروا من طبائعهم من خلال الارتقاء في سلالم التعليم، أو من خلال الاحتكاك بنوعيات من البشر من ذوي الطباع الراقية فاستفادوا منهم، أو من خلال موقف معين أو عدة مواقف حياتية استفادوا منها درسًا، وعرفوا أن "ثقالة الدم" و "النكدية" لا تؤكل عيشًا، ولا تعطي جاهًا ولا مالًا.
.
لكن الصحيح كذلك أن فئة أخرى مازالت "مكانك سر" فلم تفلح معهم كل الظروف والنصائح ونظرات السخط والاستهجان، التي تقابل بها طباعهم وأخلاقياتهم الرديئة تلك .. وكأنهم (خُشبٌ مُسنَّدة) وليسوا لحماً ودماً، يتأثر وينفعل، وبالتالي يراجع حساباته.
.
وكلمة على الهامش - كما يقولون - فبعض الناس البدناء نجدهم أخف دماً من بعض النحفاء .. لأن المسألة ليست مسألة جسم، وإنما مسألة طباع، والحياة والواقع يقولان ذلك تمامًا ...
المهم أن سوء الطالع يكون عندما يقابلك واحد من أولئك الثقلاء عند مراجعتك لدائرة رسمية، أو مؤسسة أهلية، عندها لا بد وأن تتجرع من كأسه " الثقيلة " وأن ترتشف من معينه " النكدي " ما شاء الله لك أن ترتشف، وكان الله في عونك.
.
وطالما أن الحال كذلك، فإنه يظل المطلوب من القياديين في المرافق والمؤسسات - وهذا اقتراح - أن يتلمسوا أمثال هذا الصنف من الموظفين، ثم يجعلونهم ينخرطون في دورات تخصصية في (فن التعامل مع الجمهور) على أن تكون دورات إلزامية، لعدة اعتبارات ...
أولها أن بحوث (تنمية الموارد البشرية) جاءت لتؤكد على أهمية الابتسامة – نعم الابتسامة – بحيث يتوجب – طبقاً للدراسة – أن يكون الموظف طلق الوجه، كريم المحيا، وذو ابتسامة أمام كل مراجع.
.
لأن هذه المنهجية الإدارية في فن التعامل مع (المترددين/ المراجعين) صارت واحدة من فنوات الجذب، يمكن من خلالها استقطاب أكبر حزمة من المراجعين، خاصةً في المؤسسات التجارية ذات الطابع التنافسي .. فما فائدة أن أكون صاحب شركة أو مؤسسة أو مديرًا لقطاع عام أو تنافسي – بشكل خاص – ويتوفر بها كل الأسباب المادية للنجاح.
.
ثم يأتي عدد من الموظفين من فئة "ثقيلي الدم" لينسفوا كل أو بعض تلك الجهود في غمضة عين، من خلال تعاملاتهم الجافة مع المراجعين .. والكارثة ألا يحرك رأس الهرم الإداري ساكناً، بحيث يعطي الفرصة – من حيث يدري ولا يدري – لأولئك لكي يسرحوا ويمرحوا، وبالتالي يسجل الواحد منهم واجهة غير مشرقة للقطاع الذي يعمل به، بل وخسارة فادحة له أيضاً. ذاك هو الاعتبار الأول.
.
أما الاعتبار الثاني .. فإن الموظف "ثقيل الدم" فوق أنه خسارة على القطاع الذي يعمل فيه .. فإنه خسارة على نفسه كذلك .. لأنه مع الأيام يفقد إمكانية إقامة علاقة صداقة مع هذا المراجع أو ذاك.
صحيح أنه يأخذ راتباً على وظيفته، ولكنه كذلك أمام فرصة لأن يتعرف على الناس، فمن خلال كلمة طيبة، أو موقف إنساني جميل، ربما يصبح هذا أو ذاك من المراجعين صديقاً لك .. (مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ .... لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ)
.
والاعتبار الثالث أن الوجاهة الوظيفية والمركز لن يظلا معك أبد الدهر .. ولله درّ الشاعر الذي قال : (إن المناصب لا تدوم مع أحد .... إن كنت لا تدري فإين الأول) ..
ويقول المثل كذلك (لو دامت لغيرك - ما اتصلت إليك) .. ولذلك فمن يدري ربما كسب المرء دعوة طيبة مستجابة بظهر الغيب من مراجع، عندما يذكرك في مجالسه قائلاً : (الله يذكره بالخير).
.
ثم أنه من الناحية الصحية فإن الناس الذين يتحلون بالابتسامة هم أكثر نجاة – بإرادة الله – من أمراض القلب والسكري والحموضة والقولون العصبي والجلطة الدماغية .. كما أن الإنسان "النكدي" هو أكثر الناس ضجراً من زملائه وجيرانه وزوجته وأولاده، وربما حتى من نفسه ومن الحياة برمتها ... لأنه على الدوام يعيش في مناخات كئيبة، وأجواء مكفهرة، وعالم رمادي ...
.
في حين أنه لو تعامل مع الحياة بمنطقية ، وكان طبيعيًا، لأحب نفسه، وأهله، وعمله، ومراجعيه .. وعاش "معتدل المزاج" .
.
فهل يقرأ هذه السطور "ثقيلو الدم" ويبدؤون - منذ اللحظة - في ترويض أنفسهم على " خفة الدم " ... أم أن الأمر يحتاج دورات إلزامية ؟