بايعنا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقد عشنا في المنشط دهورًا، وحانت الساعة لنعيش في المكره، فما يُلِمُّ بالعالم اليوم يجعله يرضخ تحت وطأة أزمة اقتصادية ليست لها سابقة - كما يصفها المحللون - ودولتنا جزء من هذا العالم؛ تتأثر كغيرها بما يحدث من كوارث على الصعيد العالمي، غير أنها سعت جاهدةً لتخفيف انعكاسات الواقع على المواطن؛ لأنها دولة الإنسانية، والإنسان على لائحتها في المقام الأول، الأمر الذي تجاهلته دولٌ أخرى، فضحَّت بالمواطن لئلا ينهار اقتصادها، والشواهد غير بعيدة عن نواظرنا.
ما سأسطره هنا قد يروق للبعض، وقد لا يجد قبولاً لدى بعضٍ آخر، لكنها الحقيقة التي تغافل عنها أولئك الممتعضون؛ فهم يستحسنون الزيادة في ساعات الرخاء، وتلهج ألسنتهم بخالص الدعاء، ويسطرون بكتاباتهم أجمل عبارات الوفاء والولاء، لكنهم سرعان ما ينقلبون؛ فيستنكرون النقصان في ساعة شدة، ويضيِّقون أفق رؤيتهم في تلك الساعة إلى أدنى حدٍّ؛ ليسلطوا الضوء على ما لم يستسيغوه من قرارات وإجراءات، متجاهلين كل ما يتقلبون فيه من النعم والخيرات، بل ومتجاوزين إلى التأليب على الشجب، والتحريض على الاستنكار، وهذا وبلا شك ليس طبع المواطن المخلص الغيور، الذي صقلت وطنيَّتَه قفارُ هذا الوطن، وأخرج لهيبُ هواءه تلك الوطنية وما يحفُّها من ولاء للعلن.
اتخذت كل الدول - جرَّاء الأزمة الحالية - إجراءاتها الصارمة، وضيَّق البعض منها على المواطن إلى درجةٍ لم يحتمل معها؛ فخرج إلى الشارع يعبِّر عن غضبه، مما تسبب في عمليات النهب والسلب، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، فزادت الأمور سوءًا إلى سوء، ووقع المحظور، ونحن ورغم ما حصل من عجز في الربع الأول من الميزانية، وما هو متوقع للمستقبل، جاءت القرارات بأقل الضرر، مع الأخذ في الحسبان شأن تلك الأسر التي لا دخل لها، وعدم المساس بما يُصرف لها من معونات، بل السعي إلى زيادة معوناتها من أجل الصمود في وجه الظروف، ثم يخرج من بين الصفوف مندسٌّ ناعقٌ، أو نابح، يستنكر ويؤلب، فينقاد وراءه خفاف العقول، وأصحاب الوطنية الزائفة؛ ليتعروا من كل ما كان يستر سوءاتهم.
كم من الدول نهضت من الحضيض، ومن تحت ركام اقتصادٍ منهار، لتقف مرةً أخرى، بل وتنافس في سباق التقدم على كافة المستويات، ويتحول المواطن فيها إلى ذي شأنٍ بعد أن كان في العدم، ولولا أن المواطن نفسه أحس بالمسؤولية، واتخذ القرار، وأدى الدور المناط به؛ لما شهدت تلك الدول عودةً إلى الوجود مرةً أخرى، بل وانضمامًا لبعضها إلى مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، وابحثوا ان شئتم في تاريخ اليابان، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، والهند، والصين التي كانت سبب الأزمة الحالية.
إن ما تقوم به قيادة هذا البلد ليس إلا لمستقبل أجيالٍ قادمة، فما من داعٍ للجزع والقلق، والتلميح، والتلويح، وإيعاز الأسباب إلى وجود مقيمٍ له دوره في عملية التنمية، أو راتب مسؤولٍ تحمَّل العبء الأكبر، فلم يجد من السكينة وراحة البال ما يجده موظفٌ صغير، أو حتى الإشارة ضمن الأسباب إلى الدور الإنساني والمجتمعي الذي تقوم به المملكة خارج حدودها، والذي يحافظ على مكانتها وسيادتها.
ولكل مواطن صادق أقول: ستفرج الكربة بحول الله، وسنرى غدًا أفضل، وستستمر رحلتنا، وتبقى الكلاب خلفنا تنبح.
1 comment
محمد الزبيدي
05/12/2020 at 1:07 ص[3] Link to this comment
لا فض الله فاك.. ولا جف لك يراع.. رعاك الله أستاذنا العزيز