شهدت الحركة الثقافية في محافظة بـــــارق خلال العقدين الماضيين نشاطا ادبيا راقيا يستحق النظر اليه و الاحتفاء به.
أتت بعد مرحلة طويلة من ركود الحركة الثقافية و العلمية على مستوى المنطقة بإستثناء أبها ورجال المع التي كانت قد سبقت بحراكها الثقافي والعلمي بقية المنطقة. ولعل الفضل بعد الله في ذلك يعود للمؤسسات الثقافية التي اسست في أبها خلال العقود الماضية كنادي أبها الأدبي و صوالين كبار الأدباء المؤسسون للحركة الثقافية في منطقة عسير، وبالنسبة لمحافظة رجال المع فقد شهدت حركة علمية قديمة جدا تعد الأقدم على مستوى المنطقة وخارجها: إذ يعود تاريخها على أقل تقدير الي نهايات القرن الحادي عشر و بدايات الثاني عشر الهجريين. حين ظهرت أسرة آل الحفظي بمخطوطاتهم الشرعية و التاريخية واشعارهم الأدبية. ولازال الكثير من تراثهم الأدبي مخطوطا لم يحقق محفوظ لديهم. ويعود الفضل بعد الله في الحركة الثقافية في رجال المع الي أسر العلم التي تلقت تعليمها في اليمن قديما خلال القرن الحادي عشر الهجري ثم لما عادوا لبلادهم اسسوا المعلامات والكتاتيب في المساجد ومنازل أسر العلم كال الحفظي وال النعمي وال عبدالمتعالي و غيرهم. وتبنت تلك الأسر الجيل الجديد في تلك الفترة من النوابغ و الملهمين لصقل مواهبهم و توجيههم وإقامة المجالس العلمية وإنشاء المكاتب الخاصة التي شهدت تنافسا بين أسر العلم حتى غدت اكبر المكتبات العلمية الخاصة لديهم حتى اليوم.
وبفعل هذا انتشرت الحركة الثقافية في اوساط عسير متكأة على أساسات الرعيل الأول من مثقفي عسير في أبها ورجال المع. حتي غدت رجال المع خاصة بحق دوحة العلم والمعرفة وغابة غناء يقصد بساتينها طلاب العلم فيقطفون ثمارها و يجنون ينعها. لضاخمة الإنتاج الفكري لعلمائها وادبائها الذين لايشحون بعلمهم و مكاتبهم على طلبة العلم ممن يقصدهم.
ويدهشك حين تلتقي بأدباء ومقفو رجال المع خاصة الألفة التي تسود الأدباء والعلماء فيها وايثار بعضهم للآخر و حب تقديم بعض لبعض ويظهر تقديرهم واجلالهم لاعمال بعضهم البعض فلم تجد بينهم الشللية مدخلا و التعصب موطيء قدم. بل يتبنون المواهب الصاعدة و يقدمونها. وتقدم بهم الأمر إلى تأسيس مجلس المع ثقافي يدعون له العلماء والأدباء من داخل وخارج محافظتهم.حتى حضي المجلس بالاحترام والثقة والإعجاب في الأوساط الأدبية.
ما انعكس على زيادة عدد المثقفين وازدياد الإنتاج الأدبي والحركة الثقافية التي بدورها رفعت مستوى الوعي و ارتقت بفكر المجتمع و برزت قيادات ثقافية وعلمية كبيرة من هذه المحافظة على مستوى الوطن.
وبعد هذا الاستطراد؛ اقول : فقد شهدت محافظة بارق منذ العقدين الماضيين حركة ثقافية وعلمية برزت في اشتعال حركة التأليف و النشر بين أبنائها من العلماء والمثقفين في شتى المجالات العلمية.
فطهرت مطبوعات في الشريعة الإسلامية وأصول الدين،واللغة العربية، والتاريخ، والسير والتراجم، و التراث، والأدب بكافة فنونه: في الشعر، والسرد كالقصص والروايات و النصوص الفنية،وفي مجال التدريب والتربية وغيرها.
و ازداد عدد المثقفين والأدباء و ارتفعت نسبة حملة الدرجات العلمية العليا في كافة التخصصات.
وحينها تطلب الوسط الثقافي ايجاد مؤسسة لخدمته واحتضانه و تنمية الحراك الثقافي ورعاية الأنشطة العلمية وتقديمها لخدمة المثقف.
فبادرت مجموعة من كبار الأدباء في محافظة بـــــارق بتأسيس (مقهى بارق الثقافي) في ٢٠١٤م. والذي لاقى نجاحا بلغت الآفاق اعماله ودارت في مجالس العلم افكاره و نشرت في الصحافة اخباره.
فاحدث بحق حركة ثقافية عالية المستوى أسفرت عن المستوى العالي لمثقفي بارق و حجم عطائهم الفكري و ثرائهم العلمي.
وقدم من خلال هذه المؤسسة عدد من كبار العلماء والأدباء على مستوى الوطن اثروا الساحة وافادوا المتلقي.
واستمر العطاء لهذه المؤسسة قرابة السنتين. ثم افل نجمها و غابت شمسها و تراجع دورها تدريجيا.
وذلك لأسباب تخص مؤسسوا المقهى الثقافي.
ولولا توقفهم لكان لهذا المقهى شأن كبير وفضل. وكم نأمل أن يعاود المقهى انشطته.
بعد ذلك اسست اللجنة الثقافية بمحافظة بارق في ٢٠١٥م.
واستمرت نحو عام ونصف. ثم تم توقفها لاستقالة إدارتها لأسباب تخصهم.
إلا أن نادي أبها الأدبي لم يضطلع بدوره الإداري في تشكيل إدارة جديدة للجنة ببارق. بل عطل اللجنة الثقافية ببارق ورغم تقدم عدد من المثقفين بطلب إعادة تفعيلها و استعدادهم بادارتها وتوفير المقر لها إلا أن النادي ظل يعطي الوعود فقط والحجج الغير مبررة.
واليوم محافظة بارق لا يتوفر بها اي مؤسسة ثقافية رسمية او خاصة او حتى ديوانيات او مجالس ثقافية!
و الضحية لهذا الفراغ المؤسسي للثقافة هو المثقفين وطلاب العلم والجيل الصاعد المتعطش لارتياد دور العلم والمعرفة وصقل مهاراته وتنمية فكره وتشكيل وجهته العلمية.
كما افتقدنا بهذا الغياب للحركة الثقافية و الامسيات الأدبية والمحاضرات والندوات العلمية.
ومنيت الحركة الثقافية ببارق بالكساد والشلل التام وتراجع الإنتاج الفكري.
واقترح هنا على علماء وادباء بارق المطالبة بإعادة تفعيل اللجنة الثقافية ببارق وعدم الصمت أمام توقفها دون مبرر يخول نادي أبها بذلك. فاللجنة قد تأسست بقرار رسمي وتم اطلاقها ونجحت بادارتها السابقة نجاحا يشهد له الوسط الثقافي ومازال محفوظا في ذاكرة مثقفي المنطقة.
أو التوجه لفتح الصالونات الثقافية وإلزام النادي الأدبي بتسهيل ترخيصها وإشراف عليها. إذا كان لا يقدر على تحمل أعباء ونفقات اللجنة الثقافية في محافظة بارق فليس من ان يسهل ويسرع الترخيص للمجالس العلمية و الصالونات الثقافية.
اما يبقى الوسط الثقافي في بارق مكبلا لا يحظى بحقوقه فليس هذا من واجبات النادي الأدبي بل مما يتعارض مع رسالته و أهداف الأندية الأدبية.
٢٠٢٠/٥/١٧