خرجتُ ألتمس قدوم صديقي الذي طالما التقاني في مثل هذا اليوم من العام، حاملاً معه لي ولأبنائي أجمل اللباس، وأبهى الحُليِّ، والذَّ وأطيب أنواع الحلوى. كان على العهد؛ فلم يتخلَّف عن موعده، غير أنَّ إطلالته هذه المرة كانت مختلفةً تمامًا؛ فوجهه الذي لم تغب عنه الابتسامة المشرقة بدا شاحبًا، ويداه اللتان كانتا دائمًا محمَّلتين بالهدايا تبيَّن لي أنهما خاويتان من أدنى ما حلمتُ به؛ فتمعَّر وجهي غضبًا، واستعجلته السؤال: لِمَ الوجه شاحبٌ واليدان خاليتان؟! أين ما عودتني عليه من كرمك وحسن إقبالك؟! أيُّ شيءٍ أرتديه؟! وأيُّ شيءٍ أبهج به زوجتي وأبنائي؟! أوما تخجل من قدومك خالي الوفاض؟!
نظر إلي نظرة المُنْكِرِ المشفق، ثمَّ قال: لقد أرسلتُ لك كلَّ ما تتمنى مسبقًا، فهل نظرت في حسابك؟ قلت لا، قال: إذًا فضع بطاقة المِنح في جهاز الصرف، وهناك ستجد ما تبحث عنه.
توجهت من فوري إلى جهاز الصرف؛ باحثًا عن شيءٍ أُدخِلُ به البهجة على نفسي وعيالي، ويا لهول ما وجدت، لقد كان محقًّا فيما قال؛ فكشف الحساب خالٍ من عبارة (دائن) ، فائضٌ بعبارة (مدين)، تأملتُ في ذلك المحتوى ساعة: حياة، صحة، مال، زوجة وعيال، أحباب، أمن، سعادة غامرة، حريَّةٌ بلا قيود، فتذكرتُ من مات، ومن مرض، تذكرت الفقير، والفاقد، تذكرت من يعيش كل يومٍ تحت سقف الخوف والألم، وتذكرت التعيس، والمسجون؛ فقلتُ في نفسي: ماذا لو كنت اليوم ميتًا؟ أوليست الحياة أثمن نعمة؟ ماذا لو كنت مريضًا؟ أوليست الصحة نعمة؟ ماذا لو شاءت الأقدار أن يذهب المال، أو تختفي كل مقوِّمات العيش؟ ماذا لو فقدتُ في ظلِّ الظروف أقرب الناس وأحبهم إليَّ؟ ماذا لو كنت مريضًا أو محبوسًا؟ أوليست كل هذه النعم جديرةً بإدخال السرور وفرحة العيد إلى نفسي؟!
عُدتُ إلى بيتي، وجمعتُ زوجتي وأبنائي، وأخبرتهم الخبر، فصنعنا سويًّا فرحتنا، واستقبلنا العيد بما نملك، حققتُ لهم كلَّ ما غفلتُ عنه منذ سنين، ولأول مرة أهدي كل واحدٍ منهم هدية العيد، حتى أنهم أقسموا أن هذا أجمل عيد، عرفت حينها أننا كنا نخطئ في فهمنا للعيد.
عاجل
يوسف الشيخي

سامحنا يا عيد
Permanent link to this article: http://www.eshraqlife.net/articles/326821.html
2 comments
أبو فهد
05/25/2020 at 5:47 م[3] Link to this comment
ايديولوجية الفهم الخاطئ لمعنى العيد هو الذي اصابنا بالرتابة والملل وجعلنا نعيش فرحة العيد ظاهرياً وان نعيش اقسى معاني الحرمان داخلياً في دهاليز قلوبنا .. ومع ذلك عندما أفقنا من هذا الوهم واستطعنا بملابسنا القديمة وماتيسر من المأكل والمشرب أن نعيش فرحة العيد الحقيقية مع اسرنا واحبتنا رغم التباعد ..فبرغم ماذكرت من لغة التسامح مع هذا العيد أقووول شكراً كورونا فقد جعلت للعيد نكهة اخرى بعيدًا عن البهرجة المجتمعية التي كانت تعتم على أعيوننا ردحاً من الزمن ..
والشكر لك أنت اباحامد لهذا الطرح المتناهي الباهي ، وكل عام وأسارير الفرح تعلو محياك في العيد.
غير معروف
05/25/2020 at 5:58 م[3] Link to this comment
مقال جميل شكرا ي أستاذ يوسف