(من حسنها تلبس قلايد ضباب
و إليا ضميت اشرب من اقرب سحابه
يهناك ماطرها وهتّانها)
...
وبداية نقول لصيف الباحة .. بكل صدق إحساس، ولهفة فؤاد :
(اشتقنا .. والله اشتقنا) ...
.
والواقع أن الباحة لم تكن في قسمها السروي إلا صديقة الضباب وعروس السحاب وحاضنة غابات العرعر.
أما في قسمها التهامي فهي شذى الكادي وعبقة الريحان وحاضنة ذي عين الباذخة.
ولم تكن الباحة – المنطقة - إجمالا إلا أيقونة الجنوب وفاتنة الطبيعة ... ساحرة في طقسها .. وملهمة في آثارها وإنسانها وتاريخها.
.
وعندما يطل نجم فصل الصيف – وهذا ما يهمني في هذه السطور - وخصوصًا في السنوات الأخيرة تفتح الباحة ذراعيها لأهلها العائدين من المدن الكبيرة .. وتمنح – أيضًا - قلبها لكل أبناء الوطن المرتحلين إليها - زُرافات ووُحدانًا – للاصطياف.
من خلال جملة من المناشط الصيفية الفارهة، وعبر مهرجانات متنوعة، ومترعة بالثراء الترفيهي الثقافي التراثي، تتطور عامًا بعد أخر ....
.
وترى المنطقة كلها .. ثغر باسم وفؤاد منشرح .. وأينما يمّمت بوجهك تجد أهلها يهشون لك ويبشون .. وهم بلسان الحال والمقال .. كما قال الشاعر:
يا مرحبا ترحيبة مثنية
تنساق مثل الدلة البرية
.
ترحيبة تنساق للي حاضر
للحاضرين الضيف والطرقية
.
مهرجات الباحة الكثيرة .. وأولها المهرجان الذي تشرف عليه الإمارة في غابة رغدان .. ثم مهرجان الأطاولة والمندق وبلجرشي وغيرها، وبرامج الصيف في العقيق وفي مدن القسم التهامي .. وما جرى من فعاليات فنية شيقة على مسرح القرية التراثية بمراوة.
كلها شدت الزائرين، كما تابعت قارئًا للتقارير الصحفية التي صدرت عنها.
ولأنني لم أحضرها فلا أستطيع التوسع في وصفها، رغم جمال وروعة ما قيل عنها
.
الوحيد الذي عشته وتعايشت معه هو مهرجان الأطاولة التراثي في عاميه الأخيرين.
وعليه يمكنني القول أن أطيافًا من الذكريات ما زالت تتلامع في جمجمتي، بعد أن ارتويت مما جرى على ساحة سوق الربوع، وحوله ...
فقد استطاع مهرجان الأطاولة التراثي أن يحلّق بنا عاليًا - نحن زائروه - إلى سموات من الدهشة بعد أن (سرق الكميرا) وتفرد في محتواه .. حيث كان قبلة لعشرات الألوف من المترددين، الذين طافوا بجنباته، وحرثت أقدامهم ساحة سوق الربوع التاريخي، والوادي الزراعي التراثي.
ومنهم من عرّج على قرية الأطاولة الأثرية.
كل ذلك جرى وصار – في زمن زاد عن أسبوعين .. فامتلئوا تراثًا، وأناشيدا، وترفيهًا، وثقافة.
.
هذا العام يبدو أن سلطان كورونا سيحول بيننا وبين أن تتكحل عيوننا، وتتشنّف آذاننا بتلك الفيوض الماتعة لمهرجاناتها التي عمت المنطقة، وشكلت طفرة إبداع لشبابها، الذين عندما أتيحت لهم الفرصة كانوا في الموعد تمامًا .. فانثالت قرائحهم تترى، ما جعل كل زائر يرفع لهم القبعة تقديرًا واحترامًا.
.
ومع كل ذلك، لم أستطع أن أمنع نفسي، من أن أهتف في عفوية:
(صيف الباحة .. اشتقنا - والله اشتقنا)