على امتداد خمسة عشر كلم من الطريق أعمدة الإنارة صرعى هنا وهناك بأعدادٍ لا يكاد يحصيها المار، تلِفت جراء الحوادث، فكانت مقبرتها الجَنَبَات دون أدنى تفكيرٍ لاستصلاحها، وإعادة تصنيعها، والاستفادة منها، رغم أن تلف بعضها لا يكاد يذكر؛ لأن البديل موجود، والميزانية زاخرة، والمال العام وافر.
تصدعات الطريق في ظهورٍ وتجدد بعد كل عملية إصلاح، والهبوط في بعض مستوياته نتيجة مرور الشاحنات الثقيلة لا نهاية له؛ لأن عملية الإصلاح غير مدروسة، والأهم من المهم أن تكون عملية الستر بأسرع وقتٍ، وفي أقصر مدة، حتى وإن غابت الجودة والإتقان؛ لأن الميزانية زاخرة، والمال العام وافر.
مبنى المدرسة - الذي لم تطأه أقدام الطلاب بعد - تصدَّعَ سقفُهُ، وتشققت جدرانه، وتهاوت أركانه، وظفر المقاول بمستحقاته كاملة، وذهب ليقوم بعملية نصبٍ أخرى دون حساب، وهناك ستستبدل الوزارة المبنى بآخر، وسيتم التأكد هذه المرة من الأساسات، وجودة البناء، ولا ضير في ذهاب الملايين هباءً؛ فالميزانية زاخرة، والمال العام وافر.
أنهت البلدية إنشاء الكُرْنيش البحري؛ أرصفة، مظلات، عشبٌ صناعي، إنارة، ومتنفسٌ سياحيٌّ يأسر الألباب، وقبل الافتتاح بيوم يترك العابثون بصمتهم؛ بذكرياتٍ مسجَّلةٍ، وأرقامٍ مدوَّنة، وتخطٍّ للرصيف بالمركبات؛ لممارسة هواية التفحيط وترك آثار العجلات على العشب المفروش؛ لأن كلَّ ما أُفسِد سيتم إصلاحه من الميزانية الزاخرة، والمال العام الوافر.
الليلة ليلة العمر، ولابد من بياض الوجه أمام الحاضرين؛ حجزٌ في أفخم القصور، وطعامٌ لا يكفي فقط بل زيادة، حتى ولو كُبَّت الزيادة بجوار الحاويات، أو في الخلاء؛ المهم البهجة، والفرحة، والسعادة، فالدَّخلُ في زيادة؛ لأن الميزانية زاخرة، والمال العام وافر.
وحدِّث عن الكثير من صور الهدر بلا حرَج، حتى إذا ما استفاق الرأس، وزالت خمرة الكأس، ظهرت الحقيقة، وعرف الأسف طريقه؛ فمستوى عيش الإنسان، رهنٌ باقتصاد البلدان، والمال العام مضخةٌ لدخل المواطن، وما من نبعٍ إلا ويجف، ولا موردٍ إلا وينضب؛ إذا ما استمر استنزافه بلا حسبان، والاتكاء على سلعةٍ سوقيةٍ ترتفع وتنخفض - إذا لم يكن لها رافدٌ اقتصادي - نوعٌ من الانتحار، ولو استشعر كل فردٍ مسؤوليته تجاه المال العام لما احتاج للنواح والعويل في أوقات الأزمات، ولتبيَّن قولهم (خبِّ قرشك الأبيض ليومك الأسود).
وحينما نستوعب جيدًا معنى قولهم ( كل دَقَّة بتعليمة) فسنخرج من هذه الأزمة بدروسٍ وفوائد جمَّة.
1 comment
عازف
07/06/2020 at 3:22 م[3] Link to this comment
احسنت القول ابا حامد