ابتلي البعض في هذا الزمان بالبحث المحموم عن الشهرة، وسلك في ذلك كل طريق، واستخدم كل طريقة، حتى أنه راح يتخذ من آلام الآخرين، ومصائبهم، وعوراتهم، وقودًا يُسْعِرُ به نارها، وغاب عن بال أولئك اللاهثين أن عليهم ضريبةً لابد وأن يدفعوها عاجلاً أم آجلا؛ جراء الخلق الكُثُر الذين سيتبعونهم، ويقتدون بهم، ويقتاتون على موائدهم الزاخرة بكثيرٍ من الفاسد المسموم، وأنٌّ مقدار الضريبة سيكون على قدر المكوِْن الذي يستخدمونه في إعداد أطباقهم، فانطلقوا يتسابقون عبر فضاءات (السوشيال ميديا) إلى افتراش موائدهم، وتزيينها بدايةً بكل ما لذَّ وطاب من الأطباق الجاذبة المباحة، متخفين خلف أقنعةٍ من المثالية الزائفة، والأخلاق المصطنعة الكاذبة، حتى إذا تهافت القوم على تلك الموائد، واستساغوا لذَّة أطباقها، والتصقت تلك اللذة بعقولهم، وترسبت بقاياها في أذهانهم، ودَعَوا في طريقهم كل من صادفوه ليشاركهم الاستمتاع واللذة، حينها تسقط الأقنعة، وتبدأ أنياب المكر، ومخالب الخداع في البروز، وتُدارُ هناك كؤوس السُكْر، وتُقدَّم الأطباق الممنوعة التي لم تعد العقول قادرةً على تمييزها، فخفَّ عن كاهل المضيف عبء اختيار ما يرضي به الذائقة المتلهفة، لأنها أصبحت تستسيغ كل ما يقدَّم، فما عاد غريبًا أن تظهر امرأةٌ في ملامح رجل، أو رجلٌ في ملامح امرأة؛ لأن المهم أن يتلذذ الجمهور، ويحظوا هم بقلائد الشهرة، وما عاد غريبًا أن يتراشق القوم بأبشع الألفاظ، وينشروا أقبح الصور على مرأى ومشهد الملأ؛ لأن المهم أن يتلذذ الجمهور، ويحظوا هم بقلائد الشهرة، وما عاد غريبًا أن ترى الهَمَلَ الرِّعاء يتبجحون بالمُزْرِي من الأفعال والأقوال علنًا؛ لأن المهم أن يتلذذ الجمهور، ويحظوا هم بقلائد الشهرة، وما عاد عيبًا أن تباع صور الحرائر في أسواق التبرُّج والفتنة، ولا أن تظهر ثُلَّةٌ من الفتيات في مصارعة حرة مع ثُلَّةٍ من الشباب في وضح النهار وعرض الشارع، لأن الغاية قلادة شهرة، وعلى مذابح (السوشيال ميديا) أُزْهِقَت الضمائر، فتلذَّذ أحدهم بتصوير براءة الطفولة المنهكة في لهيب الحر وزمهرير الصيف، وهي تتساقط كأوراقٍ ذابلة، دون أن يمدَّ لها يد العون؛ لأن المهم أن يُسارِعَ بتقديم طبقه قبل أن يسبقه إلى ذلك أحد، حينها سيتلذذ الجمهور، ويحظى هو بقلادة الشهرة، ناهيك عن كثيرٍ من أطباق العريَّ، والتفسُّخ، والخلاعة، والسذاجة، التي رغم مرارة طعمها، وعفن رائحتها، إلا أنها وجدت من يتقبلها، ويشيد بها، ويدعوا إلى تذوقها؛ لأنها قُدِّمت على مائدةٍ ذاع صيتها، وشاع خبرها، والعقول ما عادت من سكرتها تميز.
وتبقى تلك الضريبة مجهولة المقدار إلى حين دفع الفاتورة، والخوف كل الخوف أن تكون سببًا في الإفلاس.
4 comments
Skip to comment form ↓
سمعة
07/12/2020 at 5:41 م[3] Link to this comment
نخشى أن تكون الضريبة على المستهلكين وما اكثرهم ، وقد بدا بعضها وما زال الاخر في طور ذلك وما يخفى عليك كاتبنا ما ظهر به ” التيك توك” من مصائب شتى ، وامور يشيب الرأس من ذكرها فكيف بمشاهدتها
سلمت اناملك كاتبنا ورعاك الله
ابو ناصر
07/12/2020 at 8:18 م[3] Link to this comment
سلم يراعك ابا حامد وبوركت كتاباتك الهادفه
غير معروف
07/12/2020 at 9:16 م[3] Link to this comment
مقال معبر ومن الواقع… شكرا ابا حامد
الفهد
07/12/2020 at 9:17 م[3] Link to this comment
مقال راىع بروعه كاتبه