مهلاً أيها السيدات والسادة، فأنا لا أعني أولئك الذين طُرِّزت أسماؤهم ببعض الرموز فنودوا بأصحاب السعادة؛ لأن السعادة لم تكن يومًا داخل إطار شهادة، ولم تتمثَّل أبدًا في منصبٍ أو شهرةٍ أو ريادة، أو في وسامٍ يزيِّن صدر امرئٍ، وليست - بالطبع - عبارةً منقوشةً على قلادة، أو ثروةً شأنها النماء والزيادة.
ربما ما سبق ذكره أدواتٌ تُستجلَبُ بها السعادة، أما السعادة فلن يعرف المرء حقيقتها إلا حينما يأخذ نفسه في جولة تنقيب داخل ذلك المنجم المحفور في جوفه، المملوء بكل نفيسٍ وبرَّاقٍ من كنوزها ومعادنها، حينها سيدرك حتمًا لِمَ بعض الفقراء أسعد من غني! و لِمَ مبتور طرَفٍ يزاحم وينافس السوي! ولم ذاك المريض مبتسمٌ والطبيب في مزاجٍ عصبي! ...
وحينما يتأمل ولو للحظة سيجد في نفسه القدرة على استخراج تلك المكوِّنات والكنوز؛ ليصنع لنفسه السعادة، حتى في ظل غياب أدوات التنقيب، فقط قَبَسُ قُرْبٍ من الله، واستئناسٌ به كفيلٌ بأن يضيء العتمة الموجودة، ليرى الطريق، ويميِّز البريق، فلا حاجة للثروة كي يصنع السعادة؛ لأن جوهر القناعة موجود، ولا حاجة لأن يكون مكتمل الخلقة كي يصنع السعادة؛ لأن جوهر الرضى موجود، ولا حاجة لتملِّق الخلق واستجدائهم كي يصنع السعادة؛ لأن اليقين بالخالِق موجود...
الحقيقة أننا أغلقنا أبواب مناجمنا بالكثير من صخور الحسد، والكراهية، والبُغْض، والاستقواء، والظلم، والقهر، والفساد، والقطيعة، والعقوق... ؛ فخسرنا نفائس النفس، وذهبنا نتخبط، ونشكو قلة السعادة.
1 comment
مهند بن عبدالله بن حرازي
08/25/2020 at 3:43 م[3] Link to this comment
ماشاءالله تبارك الله مبدع ي ابا حامد