بين المجاملة والتطبيل شعرة دقيقة ....
ولعلنا نتفق على أنه لا بأس بالمجاملة، بل لعلها من المسائل المحمودة.
أما التطبيل فهو - طبقا لما تعارف عليه الناس - سلوك بغيض، وممارسة دنيئة.
.
و(التطبيل)، هو الترجمة باللهجة الشعبية لمفردة الإطراء الفصيحة .. و(الإطراء هو المبالغة في المدح بما يرفع الممدوح فوق منزلته التي أنزله الله إياها).
.
والتطبيل - فيما أحسب - هو واحد من أفراد عائلة المجاملة .. لكنه فرد غير سوي، امتهن المبالغة في المديح، و(زودها حبتين) في المجاملة.
وبدل أن يمنح ذلك المطبل الناس مثل اخوانه من عائلة المجاملة كمية مديح معقولة بـ (الملعقة)، صار "يغرف" لهم بـ (الكريك).
.
ولو افترضنا أنه قد جمعك مجلس مع صاحبنا ذاك المُطبل، وظللت تسمع تطبيلاته، فإنك - ولا ريب - ستجد عددًا من الجالسين، وقد راح كل منهم يميل على الذي بجانبه و(يدحس) كتفه استنكارًا وسخرية، مما صار يدلقه ذلكم المطبل من (كريكات) للممدوح طيلة الجلسة...
بل لعل أحد الحاضرين - قد لا يتمالك نفسه - ولا يستطيع أن يكظم غيظه، فيقول ساخرًا على طريقة التشجيع التهكمي : (أيوه .. أديلوووو) .. يعني زده من تطبيلاتك الجوفاء أو الخرقاء لا فرق؟ .
.
والمطبلاتي - في الغالب - هو صاحب مصلحة وطالب منفعة .. ويطمح أن يتقرب إلى الممدوح زلفى .. لكنه ضل الطريق الصحيح وتنكب المسار القويم .. وغالبا فلن يحقق مراده، خصوصا إذا كان الممدوح فطنًا، يفهم ألاعيب المطبين وحركاتهم (القرعا)
.
بل لعله - وهذا مؤكد - أن صاحبنا ذاك المطبل، قد خسر نفسه بان صار أضحوكة و(قطعة لبان في الأفواه)
ولهذا فإننا نقول لذلك الأراجوز ومن سار على شاكلته :
يا - أيها المطبلاتية ... يمكن لأحدكم أن يكون مجاملًا بقدر، وعندها لا ضرر ولا ضرار - لا بأس ..
فالناس في الغالب يحبون أن يروا من يمتدحهم، ويثني عليهم، ويذكر مناقبهم .. ولكن ضمن مساحة معينة، وداخل اطار محدد، لا يفضي إلى ما يعرف في الاصطلاحات الشعبية بـ "المجاملة الكذابة" - المبالغ فيها
.
وأهم من هذا وذك أن تكون - أنت وأنا - ناصحًا أمينًا، وناقدًا حصيفًا، تمدح بقدر، وتقدم ملاحظاتك بعقل وتوازن ..
.
فإذا رأيت عملًا جميلًا لأحد الناس، فـ ثمنه وقدره وأثن عليه، بما يستحق "بدون مبالغة" .. فإن لم تفعل فأنت مقصّر .. ذلك لأن من العدل أن نقول للمحسن أحسنت .. وألا نشيح بوجوهنا عنه، فإن ذلك ليس من الخلق الكريم، ولا علامات النفس السوية.
.
والواقع أن ثمة - بيننا ومعنا - من لا يمدح الناس مهما فعلوا من أشياء جميلة .. أولئك هم من فئة "من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" .. إما لأنهم يرون أنفسهم الأفضل .. في تزكية (مخرومة) لذواتهم.
أو لأن لديهم اعتلالات نفسية، من بينها الحسد والغيرة.
.
كما أن الوجوه الجديدة تحتاج منا للمديح المعقول، على سبيل التشجيع والتحفيز .. فكم من موهبة بالتشجيع تقدمت خطوات للأمام .. وليكن معلومًا أن القارئ المبتدئ، لن يكون من أول تجربة الشيخ السديس، والمذيع لن يكون منذ الدفقة الأولى بدر كريم، واللاعب المبتدئ ليس ماجد عبدالله من أول تصويبة للكرة.... الخ.
.
وعودًا على بدء - كما يقال - فإن ثمة شعرة دقيقة بين المديح والتطبيل.
ومن أجاد معرفة تلك المساحة الفاصلة بين الثناء والتطبيل، وتعامل بموجبها .. فإنه يستحق منا أن نصفق له هو الأخر.
لأنه عمل بالعدل .. وأثنى على المجيدين والفضلاء وأصحاب الأفعال النبيلة .. وتلك منقبة حميدة تحسب له.
خصوصًا إذا احتسب أجرها، كـ كلمة طيبة ..... و(الكلمة الطيبة صدقة).