يُعد العمود الصحفي ركنًا ركينًا من العمل الصحفي، ومن محاور الصحيفة – أي صحيفة.
وكُتاب الصحيفة أو كُتاب العمود الصحفي، كانوا فيما مضى (أما الآن فالصورة غير واضحة) كانوا مما يُسوق للصحيفة، حتى أننا كنا نرى جمهرة غير قليلة من القراء، كانت تنتظر وتشتري هذه الصحيفة أو تلك، من أجل قراءة العمود الصحفي لكاتبها المفضل.
.
السؤال الآن .. هل ما زال للمقال/العمود الصحفي ذلك البريق، وتلك الكاريزما؟ ... هل ما زال حيًّا .. أم أنه يحتضر؟
.
ذات مرة وأنا في نادي الباحة الأدبي، سألت ذات مساءٍ محاضرًا، هذا السؤال: (هل المقال الصحفي مات .. أم أنه ما زال يتنفس، وما الفرق بين مقال ومقال؟
إجابة الضيف – وإن لم تكن واضحة لي – إلا أنه مشكورًا أجاب على سؤالي ... بما كان يراه ردًا ....
.
على أيه حال ... فقد ظللت أسأل نفسي ... وأتساءل طويلًا
عندما يبعث لك أحد أصدقاءك بمقال صحفي له، طامحًا منك أن تقرأه، أو تعلق عليه ....
الحقيقة ... أن هناك مقالات جيدة بالفعل .. وتستحق القراءة ... وأيضًا تستحق شكر كاتبها .. لما تحمله من فكرة، وما تتميز به من أسلوب كتابي بديع.
وفي المقابل هناك مقالات (نُص نُص) كما يقال باللهجة المحلية .....
.
في كل الأحوال ....
فكتابة المقال فن أدبي ومهني رصين، لا يمكن أن يصل إليه الكثيرون .... وأنا منهم.
ذلك لأننا نتمنى – كل كاتب يتمنى – أن تحوز كتاباته على اعجاب الناس، وهذا هدف من أهداف الكاتب.
.
لكنه هدف متأخر، تسبقه أهداف أخرى ... مثل:
أن تكون سطورك متضمنة فكرة جديدة - غير مطروقة، تعالج مسألة مهمة.
أو أن تكون الفكرة (وإن كانت مكررة)، لكنك ككاتب عالجتها بأسلوب مختلف، جمع بين (السلاسة .. الترابط .. التكثيف .. بساطة اللفظ .. وتكنيك الكتابة ....الخ)
بما يجعل المقال أشبه بطبق حلوى (تأكل أصابعك وراءه).
.
قبل سنوات .. كان الكثيرون يجدون صعوبة في نشر كتاباتهم الابتدائية، خواطرهم، مقالاتهم ..... الخ.
فالصحف لم تكن تنشر لكل أحد ...
اليوم - أنت وأنا - صحفنا في جيوبنا - جوالاتنا وكمبيوتراتنا مُلْكنا - أكتب ما تشاء وأنشر .... انشر في حسابك في (تويتر، فيس بوك، أو في واتساب ....الخ)
.
ويظل المهم أن تكون كتاباتنا منضبطة، وفيها فكرة، وذات أسلوب بلاغي جميل .. تقرأها وأنت مستمتع، ثم تقول: (الله – الله).
ولن يكون ذلك إلا بالتجربة الطويلة، المقترنة بقبول النقد حولها – مهم قبول النقد .. ثم بالقراءة والقراءة والقراءة.
فثمة من يكتب منذ سنوات لكن مستواه "مكانك سر" .. وهناك من له تجربة قصيرة لكن حروفه مما يجعل (قلبك يفزّ- فزًّا)
العبرة ليست في عدد السنوات، والمصريون يقولون في أمثالهم :(العدُّ في الليمون).
.
مناسبة هذا الكلام أننا كنا – عدد من الأصدقاء – نتناقش حول هذه المسألة، وأورد أحدنا مقالًا لكاتب درج على كتابة أفكار مطروقة، وفق أسلوب الكتابة القديم، الأسلوب الوعظي المباشر، والذي لم يعد مؤثرًا ولا لافتًا.
.
ليست العبرة أن تكتب، أو أن تتحدث أمام الناس.
العبرة بالفكرة، وكيف تصوغها بحرفنة، وتقدمها للناس .. وقد قال الجاحظ – ذات مرة – "الأفكار ملقاة على قارعة الطريق".
.
بعبارة أخرى فالكتابة أو الحديث أمام الناس ... أقرب ما يكون إلى "طبخة" - أنت وأنا - نمتلك "مقاديرها" بسهولة .. لكن (كلمة السرّ) تظل في .... (طريقة الطبخ).
.
ولذلك فـ طبيخ "س" من الناس ... ليس كطبيخ "ص" ....
هناك من الطبخات ما هو لذيذ جدًا...
وثمة المتوسط....
وهناك العادي - على طريقة "مشي حالك".