هذا المقال يهم الشباب والشابات في سن الـ 20 عامًا .. وما عداهم فإن قرأته ربما تكون على سبيل الاستئناس – ليس أكثر، وستعرفون السبب ضمنيًا بعد قليل.
.
في هذه السطور دعوني (أدندن) على مسألة الخيال العلمي ....
وبالمناسبة وعلى طريقة (فاصل ونواصل) فكلمة يدندن أحببتها، منذ ترنم بها ذات مرة الشاعر الكبير خلف بن هذال العتيبي، في بيت شعر، ضمن قصيدة حماسية له، قال فيه:
(إن دندنت طبلة الحراب دندنّا ... بآيات حقٍ علي وبلال دندنها)
.
والحقيقة أن الثابت أن الكثير من المخترعات العلمية التي نراها اليوم، سببها - أو لنقل شرارتها الأولى كانت "فكرة مجنونة" لأحدهم، ضمن خيال جامح، ثم لم تلبث أن أصبحت بعد سنوات حقيقة معاشة.
.
قبل سنوات بعيدة كنا نسمع ونحن أطفالًا أن أجدادنا في القرى والبوادي، إذا أراد أحدهم أن يطلب عودة ابنه المسافر في المدينة، كتب له رسالة يحملها مسافر إلى المدينة.
الرسالة بالإضافة الى تضمينها الطلب من الابن العودة عاجلَا، يقوم الأب بـ "حرق" جزء صغير في طرف ورقة الرسالة، كدلالة ضمنية على خطورة الموقف، وطلب عودته عاجلًا غير آجل.
على طريقة المثل الجنوبي الدارج: (رُشّ إيدك - ولا تنشّ إلا عندنا).
حينها ... لم يكن ثمة من وسيلة غير هذا الإجراء .. فليس ثمة - وقتذاك - لا واتساب ولا تويتر ولا بقية أخواتهما.
.
والخيال الجامح – عادة - لا يصدقه الكثيرون للوهلة الأولى ..
ولنا عبرة بقصص الأقدمين ....
فلو قال أحد الأحفاد مخاطبًا جده – قبل 40 عامًا - كنوع من الحلم/الخيال .. أنه قريبًا سيكون معلقا في جدار بيتنا، صندوق يضخ أطيافًا من الدفء في ليالي الشتاء قارسة البرد، بحيث يُحيل طقس البيت إلى شيء قريب من مناخ فرن التميس.
فإن الجدّ لن يصدقه وحسب، بل وسيشك في قواه العقلية، وربما حمل حفيده ذاك إلى طبيب شعبي، يطبع على أم رأسه ثلاث كيات "معرقاه".
.
الآن .... سأقول لكم شيئًا من (الجنون) على طريقة الخيال/الحلم .. وضمن مسار الخيال العلمي الجامح ....
فـ بعد عام 2050 أتوقع أن تشهد الحياة، الكثير من الطفرات التقنية المهولة، التي ستنتظم في حياة الناس، وتصبح واقعا يتعاطونه بكل يسر وسهولة.
.
سيكون في مقدور أهلك أن يتابعوا مراحل سفرك بالسيارة من جدة مثلا إلى الباحة، صورة وصوتًا، سيرون سيارتك على خريطة عبر الكمبيوتر وهي تتهادى على كامل الرحلة لحظة بلحظة، ومن ذلك عندما تتوقف لتعبئة الوقود في مكة - مثلًا، وعندما تكون تتسلق طريق الهدا، وعندما تتوقف للغداء في الطائف ... وحتى تصل عند باب البيت في الباحة، ملوحا لهم بيدك معلنًا سلامة وصولك.
.
وسيكون في مقدورك أن (تعزم) صديقك، ليس في مقهى أنيق على كورنيش جدة، بل في مطعم زجاجي يقع في أعماق البحر الأحمر بمئات الأمتار، وستجلسان ترتشفان قدحين من الكابتشينو في مناخ شاعري، وأمامكما الحوت الضخم وأنواع أسماك القرش تتمايل من خلف الزجاج.
.
وسوف تجرب الانضمام مع بعض الأصدقاء في رحلة ممتعة إلى القمر عبر كبسولة فضائية، وهناك ستقضي حوالي 3 ساعات، تقوم خلالها بالسير فوق أرض القمر، بل وستصطحب معك شيئًا من صخوره وترابه كذكرى، من زيارة ذلك الكوكب الذي طالما أفتتن به أجدادك العرب الشعراء والعشاق، ونظموا فيه ومن وحيه - أحلى الأشعار، منذ عمر بن أبي ربيعة، وحتى نازك الملائكة، فبدر شاكر السياب، الذي قال في "أنشودة المطر": (عيناك غابتا نخيل ساعة السحر ... أو شـرفتان راح ينأى عنهما القمر).
.
سيارات الأجيال القادمة، ممنوع وقوفها أما البيوت أبدًا ... مكان توقفها سيكون على الأسطح، ولن يوصلها أصحابها إلى هناك .. بل سيكون ذلك بالريموت كونترول صورة وصوتًا.
.
بيتك سيكون متحركًا ... تديره بالريموت لتستقبل الشمس صباحًا أو مساءً، أو عند رغبتك وأنت في حجرة خلفية، أن تديره إلى الشارع لترى حركة الحياة والناس وأنت "منشكح" في شرفة حجرة نومك.
.
هذا غيض من فيض مما أتوقع أن يحدث، ويراه الشباب والشابات من ذوي العشرين ربيعًا الآن - رأي العين.
.
لكن يبقى ... أن ألتمس منكم أن تغفروا لي، هذا التماهي العريض في (جنون) الخيال/الحلم.
بحيث لا تتمنون على طبيب شعبي، أن يضع ثلاث كيات على أم رأسي.