لم يخطر على بال أحد في يوم من الأيام أن ينفصل الطالب عن مدرسته ويستطيع تحمل الغياب عنها طوال هذه الفترة
لأنها وببساطة كانت تمنحه الضجيج الذي يملأ حواسه ويشغّل أفكاره بدءا من معامل المختبرات وساحات اللعب والفُسَح والمشاغل الفنية مرورا بتفاعله مع مجتمع أصدقاءه البسيط ومن ثم بناء حالته النفسية والوجدانية والعقلية التي لا تنمو وتكتمل وتنضج إلا في وسط مناخهم وانتهاءً إلى تعزيز قدراته المهارية واللغوية وقيمه السلوكية في وجود معلم حاضر يلامس نقاشه وحواره حواسهم وجوارحهم وأرواحهم بشكل حي ومباشر
هذا الغياب الاضطراري كان سببه جائحة كورونا التي فاجأت العالم واربكته وقلبت عادات حياته رأسا على عقب، غير أن المملكة كانت أمام هذا الظرف الطاريء أكثر جاهزية في التصدي لخطره، وبسرعة أذهلت العالم أوجدت بدائل مناسبة تجاوزت بها مفاجآت الأزمة وأدارتها بكل اقتدار.. وهذا أمر طبيعي أمام دوله طموحة كتبت رؤيتها المستقبلية لتكون ضمن دول العالم الكبيرة والمؤثرة.. وكانت وزارتا الصحة والتعليم هما المعنيتان الأكثر بالتصدي لخطر الجائحة ومحل الإختبار الحقيقي لمعرفة قدراتهم واستعدادهم في تطبيق رؤية المملكة على أرض الواقع في مثل هذه المواقف والحالات الحرجة
وظلت تجربة التعليم عن بعد هي الأبرز في هذه المنظومة خاصة وأنها طُبقت بنجاح مع طلاب مراحل التعليم العام وهذا هو النجاح الحقيقي والتميز الذي يشار له بالبنان ويدعو إلى شيء من الفخر والإعتزاز.. طبعا التعليم عن بعد لم يحدث عرضا نتيحة الجائحة وإنما كان خيارا استراتيجيا لوزارة التعليم سرّعته الجائحة ليس إلا، واضطرت مع هذا الوضع إلى تعميمه على كل المراحل التعليمية، ولكن في الحقيقة أن وزارة التعليم تبنت فكرته من قبل وطبقته جزئيا في العديد من جامعات المملكة في رحلتها الطويلة مع تحديات المستقبل، وكان من ضمن أهدافها تجنب ما أضاعته في الماضي طرق التدريس التقليدية العتيقة
وبالتأكيد فإن في وعي خبراء الوزارة التربويون أن تطبيق التعلم عن بعد لا يعني الاستغناء الكلي عن حضور الطالب إلى المدرسة في المستقبل - أرضه الواسعة والمفيدة - وإلغاء دورها الحيوي والمهم كما قد يتبادر إلى الأذهان.. وإنما هدفهم إضافة أنماط جديدة من التعليم الذاتي عن طريق إستخدام الحاسوب والأجهزة الإلكترونية الذكية والاستفادة من تكنلوجيا الإتصال في نقل المعلومات التي تساعد الطالب في اكتساب معارف واسعة بنفسه ومن مصادر متعددة
لأنهم يدركون تماما - أي الخبراء التربويين- أن وجود المعلم والزميل وفصول المدرسة في حياة الطالب الصغير ضرورة قصوى لا يكمن تحييدها لما لها من دور كبير في تنشئة شخصيته وهو امر لا يقوم مقامه النقر على جدار الكمبيوتر والآيفون الصامت برفقة أباءهم وأمهاتهم فقط.. وإلا فقد الطالب الناشيء احساسه بالثراء البشري المتدفق من وجوه الرفاق والمعلمين ومن حركة المارة في الشوارع وهو في طريق ذهابه وإيابه من وإلى مدرسته.
نحن - بعبارة مختصرة - أمام تجربة مختلفة في كل شيء ....
نحن أمام قصة نجاح .... من تلك التي تسجل بمداد من ذهب.
3 comments
عبدالله الأكرمي
12/03/2020 at 9:14 م[3] Link to this comment
اشكرك ابا جبران على هذا الطرح المميز وأرجو ألا ننسى ذلك الجندي ( غير المجهول ) الذي ظلمناه كثيرا فقد أثبتت الجائحة قبل أن يثبت هو أنه الضرورة الحتمية ولا خيار غيره مهما اختلفت الأساليب وتعددت الوسائل.
إنه ًوراء وأمام كل نجاح.
إنه المعلم
أبوبسام
12/03/2020 at 11:33 م[3] Link to this comment
طرح رائع وجميل لافض فوك
غير معروف
12/04/2020 at 3:31 ص[3] Link to this comment
مبدع كعادتك أيها الأديب المُفَوَّه