يقول خبراء الاجتماع: أن المرء كلما زاد وعيه، اتسعت دائرة رؤيته لما حوله، في تناسب طردي.
بحيث يذهب بصره وفكره – حينذاك - إلى آفاق أرحب، بحيث يتجاوز عن الأشياء الصغيرة، ويكون حكمه وتقديره للعموميات.
.
بعبارة أخرى، فإن معنى رأي أولئك الخبراء - وهذا تفسير من عندي - أن اتساع دائرة الوعي، تجعلك تغفل عن التدقيق في التفاصيل، وبالتالي في تفاصيل التفاصيل.
.
مثال ذلك: في مدينة ما أو قرية، أنت بتلك الفلسفة ترى مجمل ما عليه حال المكان كله، وبالتالي تحاكمه في العموم والجملة، لا في الدقائق والتفاصيل الصغيرة، كوجود سلبيات صغيرة حول بيتك أو في شارعك الصغير.
.
كذلك الحال عندما يسألك أحدهم عن س أو ص من الناس، فأنت تصدر حكماً عاماً عن مجمل سلوكه وشخصيته، عن كل مناقبه ومثالبه ككتلة واحدة، دون أن تختزل الحكم في مجرد موقف ما من مواقفه، سواء كان إيجاباً أو سلباً.
.
وعلى النقيض من ذلك فإن من هم أقل تجربة في الحياة، وأقل وعياً، تجدهم يدسون أنوفهم في منحنيات صغيرة، ومنعطفات ضيقة، ونقاط محدودة المساحة، ولا تكاد تجالسهم إلاّ والسوداوية تتغشاهم، فهم من فئة من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، كل شيء عندهم "غلط في غلط"، سلبي، وناقص .... الخ.
.
واللافت أن أولئك الناس، رغم رؤاهم القاصرة وأحكامهم الجائرة، فهم لا يلامون للسبب الذي ذكرته آنفًا.
والواقع أن بينهم من هو على خلق ولهم أفعال طيبة، وأعمال جيدة، لكن محدودية تجربتهم الحياتية تخذلهم . ومع ذلك فهم رغم كل سوداوية رؤاهم، لا أجدهم سيئون.
هم فقط يحتاجون إلى زيادة تفاعل مع الحياة بشكل منطقي، مع تدريب لذواتهم على مهارة نقد الآخر بعدالة، وعلى الإيمان بوجاهة أن المحاكمة الحق تكون على المجمل لا المفرد.
وعندها سنراهم في صورة أجمل وحالة أبهى .
.
في كل الأحوال ... يظل الخيرون كثر، وتظل التجربة كفيلة بأن يصبح هذا أو ذاك من الناس أكثر قدرة على التماهي مع فعل المعروف، والتحلي بالمنطقية والمعقولية.
.
وأكثر من ذلك أن يرتقوا إلى مرتبة أخرى – أعلى ..... إلى حيث "بذل الكف" بالمستطاع، والتوشح بالكلمة الحلوة، والمشورة الصادقة، والسعي مع الخيرين للإصلاح، ورأب الصدع الاجتماعي أينما وجد.
لكي يكون كل منهم، عنصرًا فاعلا في المجتمع، بحيث تتسق شخصيته مع هذا البيت الجميل، من الشعر الشعبي:
(خلك جمل وقت الحمول الثقيلة .... وحصان لا مالوا عليك الرجاجيل)