كنت أعتقد أني قوية جداً، أستطيع أن أحصل على ما أريد دون تعب أو مجهود يذكر، طالما كنت أجد كل ما أطلبه بجواري كل صباح.
هذا هو كل ما حدثت به نفسي طوال صباي، حتى أدركت أنني قوية، لإن أخي كان يشاركني مغامراتي ويدافع عني ويلعب معي، وأن أختي كانت تهديني أقلامها لأكتب، وتدفع يدها لي حتى أرسم ساعة، عقاربها ثابتة وبدون أرقام.
وأن يد أبي كانت تمهد لي الطريق حتى لا أتعثر وأنا أخطو، لأنه يضم بيتنا، ويضع يديه أسواراً تحرسه كل ليلة، لنغفو بأمان، وأن أمي هي من كانت تجهزني لأجابه العالم، تلبسني تطعمني تقيم الصلاة معي، تضحك على نكاتي وتصحح كلماتي الخاطئة.
لم أكن وحدي حتى وأنا أقطع الطريق منفردة، فهم معي في افكاري وأسراري.
.
ذات ليلة خبأت خاتماً أهدتني إياه أمي بحفرة حفرتها في فناء منزلنا، وكنت أسقيها كل صباح، حتى تكبر فتصبح شجرة خواتم وأهديها لأمي. لأثبت لها أنني أنا أيضاً أستطيع أن أمنحها هدية ثمينة.
كبرت يد أمي على الخواتم التي كانت تزينها، وهنت قوة أبي، لم يعد يستطيع أن يضم المنزل كل ليلة.
.
فجأة ودون سابق أنذرا، أحسست أنى صغيرة جداً، لأني بت بمفردي، أضع يدي على قلبي، وأحاول أن أتنفس ببطء شديد، لعل تلك الأنفاس تدخل صدري، وتقيم فيه بدل ذاك الفراغ الكبير الذي يحتويني.
منذ أن أصبحت أضع المنبه كل صباح لنفسي، كي أستيقظ لوحدي، أسير الطريق الذي سأتخطاه أثناء ذهابي لعملي، منذ أن بت أشتري خواتمي بنفسي، دون أن أبحث في شجرة الأمنيات.
العالم لا يرحمك إن كنت وحيداً، لن يرضى بضعفك، ولن يأبه لمشاعرك.
أنه يركض باتجاه سبيل الخلاص بمفرده.
.
وحدنا نسعف أنفسنا عندما نستمسك بتلك الأيدي المجعدة من معتركها الحياتي، في سبيل خلق حياة كريمة لي، والتضاريس التي رسمها الزمن فوق الجباه لتنير دربي.
أتمنى .... لو أني أمسح عنهم آلامهم، أن أحقق أحلامهم، أن أتجاوز خوفهم، أحياناً أفكر لو أني أفترش السرير الأبيض بدلاً منهم، هل سيسكن الوجع جسدي ويتركهم.
أتمنى .... لو إني أتصارع في ذاك القطار اليومي مع ركابه، بدلاً من أخوتي، هل سيجعلهم ذاك يصلون لأهدافهم أسرع.
اللهم لا توجعنا فيمن نحب ...