جرس الإنذار يدق؛ هناك خطر قادم، الدنيا تلملم شتاتها على عجل، وتبحث عن مخرجٍ أو مهرب، لكنها تتعثر في استهتار البشر، وتسقط مغشيًّا عليها؛ لتدخل في غيبوبةٍ دامت أشهرًا، أحسَّ خلالها من كان مستهترًا بالقيمة المفقودة؛ بعد أن طال الانتظار خلف الحواجز والأسوار؛ أملاً في إفاقة الدنيا من جديد، وأخذ الكل يتساءل: أيُعقل أن تكون النهاية؟!
ويتبع تلك التساؤلات أسفٌ، وحسرةٌ، وندم؛ فتلك لم تتزوج، وذاك لم يتخرَّج، وآخرون لم يحظوا بتحقيق شيءٍ من الأماني التي طالما حلموا بها.
وفي خضمِّ كل تلك التساؤلات تظهر بارقة أمل، وتدبُّ الحياة في الدنيا من جديد، لكنَّ الأطباء يحذِّرون، وينصحون بعدم الزيارة إلا بعد أخذ كل الاحتياطات اللازمة، وارتداء كل العوازل المتاحة؛ لأن المناعة لا زالت ضعيفة، وربما تنتقل العدوى، فتنتكس الحالة، ويعود الوضع أسوأ مما كان عليه.
ويستجيب الجميع - في بداية الأمر - لكل تلك النصائح والتوجيهات، فقد أوشكوا أن يفقدوا الدنيا، وليسوا على استعدادٍ لذلك، وتتحسَّن الحال شيئًا فشيئا، وتوشك العلامات الحيوية أن تعود لطبيعتها، غير أن الاستهتار الذي تسبب في السقوط أول مرة يعود من جديد، مؤذنًا بغيبوبةٍ أخرى ربما تكون هذه المرة أطول، فالبعض أبى إلا أن يدخل للزيارة خلسةً دون أخذ احتياطاته؛ لأنه يرى أن الحال تحسنت، وأن الدنيا أصبحت بخير، وأنها قادرةٌ على الوقوف من جديد، فلا داعٍ للقلق، رغم أن أعراض المرض لازالت، موجودة، بل والأشدُّ من ذلك؛ أن أعراضًا لمرضٍ آخر أشد فتكًا بدأت هي الأخرى تعلو ملامح الدنيا.
وتتعالى الصرخات والنداءات من كل حدبٍ وصوب، ويُصرُّ المستهترون على الاستمرار في الطيش دون أَوْب، فلا نامت أعين المستهترين.