لستُ من تظنُّ يا صديقي حينما أصمت و أدعك تثرثر، و يعلو صوتك شيئًا فشيئا دون أن يجد بين جبالي الشامخة صدىً يتردد، لستُ ذلك الجبان، و لستُ ذلك الخجول، و لستُ أيضًا بفاقد الحجة، العاجز عن الرد؛ كل ما في الأمر أنَّ ثقافتي تضع لحواراتي حدودًا لا يمكن أن أتخطاها. فلا أجاري من هو دوني في جدالٍ؛ حتى لا أنزل إلى مستواه، ولا من هو أعلى مني سنًّا أو قدرًا؛ اعترافًا مني بفضله وقدره، ولا من يوازيني ويماثلني؛ تفضُّلاً مني و تكرُّمًا عليه، و من بين كل أولئك اسمح لي أن أخبرك بمن تكون، في الحقيقة لست سوى مفتونٍ بنفسه، غارقٍ في أوهامه، يحاول أن يترنم بكلمات العُجْب؛ ليظفر بتصفيق الإعجاب، وغَرَّهُ حضور الحاضرين، ظانًّا أنه استجلب اهتمامهم بنعيقه و نشازه، بينما هم في حقيقة الأمر يتمايلون على معزوفةٍ أخرى في أذهانهم غير عابئين به.
إن كانت الأقدار قد جمعتني و إياك على منصَّةٍ واحدة، فأرى أن تستمر في غرورك، أما أنا فسأبقى صامتًا؛ لأن المناظرة ستنتهي عما قريب، حينها أكون قد كسبتُ احترام الحضور، و حظيتُ بتصفيقهم الذي أردته أنت، وستكون أنت غارقًا في تمايلك، و رقصك، و غرورك، و أوهامك، إلى أن تجد نفسك وحيدًا على منصات الظهور، دون جمهور؛ لأنَّ ثرثراتك فارغة، خاويةٌ من الفكر و الثقافة، و أسلوبك في الطرح عقيمٌ عن صياغة الخطاب، فقيرٌ إلى آداب الحوار.
انتهت الرسالة.