قاسيةٌ هي الحياة حينما تعلِّمنا الدروس؛ لأنها لا تقدِّم درسًا بالمجَّان، بل لا بد مع كل درسٍ من صفعةٍ، تتجاوز الخد لتستقرَّ في القلب، وتترك أثرها هناك، ألمًا، وحسرةً، وندما؛ أملاً في أن يؤوب ذلك القلب إلى رشده، ويملي على عواطفه شيئًا من التمهل والركود، والتوقف عن التعجُّل في إصدار أحكامها، واتِّخاذ قرارتها دون الرجوع إلى العقل صاحب السلطة في ذلك، غير أن البلادة لا تفارق أصحابها؛ فلا نكاد نخرج من موقفٍ، ونتلقى صفعةً عَقِبَ درس، حتى نتجاهل ما تعلَّمناه، ونعود من جديدٍ إلى سلب السلطة من صاحبها، وتسليمها للعواطف؛ لتعيث في المشاعر والعلاقات فسادًا.
تريدون دليلاً على ذلك؟ كم مرَّةً قطعنا حبال وصالنا بسبب الشك؟! وكم مرةً جثم سوء الظن على علاقتنا، وطمرها تحت رماده؟! إلى أن جاءت رياح الحقيقه لتذروه، ولكن بعد أن تكون العلاقة قد لفظت أنفاسها.
قتلنا علاقاتنا ونحن نمتنع عن مصافحة أحدهم؛ لأنه لم يقم احترامًا لنا، لنكتشف بعد ذلك أنه مقعد، يعجز عن القيام.
قتلنا علاقاتنا ونحن نظن أن فلانًا لا يرد على مكالماتنا لأنه لا يرغب بنا، ثم تكشف لنا الحقيقة أنه كان مريضًا، أو نائمًا، أو منشغلاً، أو ربما مات فسبقتنا إساءة الظن إلى التعزية فيه.
قتلنا علاقاتنا ونحن نحسب أن فلانًا انقطع عنا وهجرنا لأنه أصبح في منصبٍ أكبر، ومستوىً أعلى، وتجاهلْنا ما قد يفرضه ذلك المنصب من كثرة الأعباء، وضيق الوقت.
قطعنا علاقاتنا ونحن نتوهَّم أن فلانًا يحفر لنا الحفر لإسقاطنا، وما إن نتقدم في السير قليلاً، حتى نجده أمامنا يردم تلك الحفر التي قد نسقط فيها.
قطعنا علاقاتنا ونحن نشكُّ في حب من حولنا، رغم التضحيات التي يبذلونها لأجلنا دون أن نشعر.
بل وتجاوزنا كل ذلك لنسيء الظن بربنا سبحانه، ونعترض على أقداره، ونتذمَْر من قسمته بين عباده، فكيف ستصفو لنا الحياة؟!
عاجل
بقلم - يوسف الشيخي

درسٌ وصَفْعَةٌ وبلادة
Permanent link to this article: http://www.eshraqlife.net/articles/354113.html