الثورة التقنية الجريئة والسريعة في وسائل الاتصال والتواصل هي القنبلة الموقوتة التي فجرت الأنظمة الجامدة وحولتها إلى أشلاء متطايرة في سماء الفناء لا سيما وهي لم تكن مستعدة لهذا الزلزال البركاني التدميري ظنا منها أن سياج حصانتها المنغلق منيعا للحد الذي يجعلها في عزلة عن محيطها الخارجي المنفتح بحري كما يقال ومتناسية ببلاهة ذلك الثقب المنزوي في طرف سفينة عبورهم المجتمعي والذي يزداد اتساعا حينا بعد حين يقابله شعور اللامبالاة من قبلها عنجهية وجهلا.
ولم تستفق إلا والماء قد أغرق السفينة التي اغتربت ببلاهة ربانها الحالم ومساعده المغلوب على أمره مما حدا بالركاب إلى التسابق قفزا في مياه ذلك المحيط الذي لا يعرف ساحله.
فمنهم من قدر له النجاة بأعجوبة أشبه بالخرافة ومنهم من زهدت فيه تلك الأمواج العاتية فلفظته للشاطئ فكانت رحلة النجاة لولادة حياة جديدة له بعد أن استنار طريق وجهته الصحيحة.
وبين هؤلاء وأولئك كانت النسبة الأعلى هم الغارقون في متاهات محيط الرعب الذي حولهم لقمة سائغة لهوام البحر ووحوشه فذهبت هذه الفئة أدراج الرياح غير مأسوفا عليها ضياعا بمرتبة انتحار اختياريا.
وآسفي على أولئك المهمشون في حياتهم الكادحون في عيشهم المفتقدون لأبسط أنواع الراحة في رحلتهم العصية على كل أنواع الارتياح إنهم الخارجون من حضن السلامة الساعون لحتفهم حقا.
هذه ليست فلسفة غامضة المفهوم أو رواية خيالية أو طقوس تحضير للجان وأعوانه ولكنها أبجديات معرفة قواعد لعبة الهيمنة الممنهجة التي تقول أول حروفها إن البقاء للأقوى، ولا تأتي القوة إلا بالمعرفة التي تنبثق من رحم المعلومة التي تقود لقوة القرار وهو ما يحقق الهدف المرسوم سلفا بعيدا عن شرعية الهدف من عدمها.
علما بأن أخلاقيات الاستحواذ يحكمها مبادئ الأطراف المتنافسة وهذه المبادئ تحتكم إلى أعراف دينية وسياسية واجتماعية تنظمها وتضبطها حسب بيئاتها وايديولوجياتها وبناء على ذلك تتضح شرعية الأهداف من عدمها علاوة على استجلاء مقاصدها الحقيقية بأقل جهد من التأمل.
هذه رسالة مقتضبة تترجم جهد المقل تقول ألا ليت قومي يعلمون.