عندما كتبت صحيفة "أنباء الباحة" هذا العنوان: (الأطاولة تفقد “محمد بن درعان” بعد معاناة مع المرض)، بقلم الزميل فواز المالحي .. فقد كانت الصحيفة محقة تمامًا.
فـ "محمد بن درعان" كان قامة وقيمة .. وهو " فقيده" بكل معنى الكلمة.
.
بالنسبة لي - وعلى المستوى الشخصي - فقد فقدت برحيله صديقًا غاليًا .. وإنسانًا "ملهمًا".
فهو كصديق.... كنت لا ألتقيه – دائمًا - إلا وهو هاشًا باشا .. الابتسامة مرسومة على محياه، يحييني كأخ، ويغدق عليّ عواطفه كصديق.
.
وهو كـ "ملهم".. فعلى الرغم من أننا كثيرًا ما كنا نتفق وأحيانًا نختلف، على بعض فرعيات الحوار الذي كان يدور بيننا - سواءً لوحدنا، أو في جماعة من الناس - إلا أن اختلافنا ينتهي بانتهاء الجلسة، لتعود الحميمية بيننا كما كانت، تنساب تتهادى كجدول ماء رقراق .. وتلك هي صفة الكبار والنبلاء، ومنهج الكرام والفضلاء مثله.
.
كان إنسانًا موسوعيًا وعميقًا، وكان حاد الذكاء والنباهة بل والفراسة، وذا ذاكرة فولاذية، تسترجع تفاصيل التفاصيل لما مضى مهما بعُدت به الشُقة، في الكثير من جوانب الحياة المختلفة - عمومها وخاصها ...
.
كان يطرح موضوعًا ما، ثم يشبعه نقاشًا وتناولا، فأجد نفسي منصتًا مستمتعًا ... ثم لا يتوقف الأمر عند ذاك، بل إنني عند عودتي إلى بيتي أعود للمصادر للاستزادة، وتثبيت المعلومة، بل والإبحار في جوانبها بما يضيف لي شيئًا.
وتلك من عطايا الناس "الملهمين"، ممن يُحرضك على البحث.
.
وهو متحدث مفوّه، أوتي ناصية البيان، يأسر بحديثه كل مستمعيه، يجري الكلام على لسانه سهلًا سلسلا، ويتدفق من بين شفتيه فصيحًا بليغًا دونما تعثر، وكأنما قد أخذ من الشاعر الشهير "جرير" خصلة (يغرفُ من بحر).
كان له "كاريزما" خاصة .. إذا حضر يؤثر، وإذا غاب يفتقد ...
.
خدم التربية والتعليم ردحًا من الزمن، وانتشر طلابه في كل مكان، وبلغوا مراتب كبيرة في دنيا الحياة، وإلى ما قبل رحيله كانوا يتواصلون معه، ويفخرون به، ويقدرون له قدره، كأستاذ كريم، ومربٍ فاضل لهم.
.
كان عنوانًا - لا تخطئه العين - من عناوين الإصلاح بين الفرقاء والمختلفين، يردم فجوة خلاف هنا، ويسد ثغرة معضلة هناك، سواءً لوحده أو برفقة فضلاء مثله، فكان من سماته إصلاح ذات البين.
.
كان محبا - بل عاشقا - لبلدته "الأطاولة" وأهلها .... ينافح عنها، ويسعى لمصلحتها، وفي داخله "غيرة" شديدة عليها .. حتى كانت تلك أحد همومه .. وعندما يحتشد الحشد لها ومن أجلها .. كان مكانه في الصف الأول بينهم.
....
الآن ... وقد غادرت دنيانا، بعد أن تركت بصمة ...
أقول ...
سلامٌ عليك – يا أبا عبدالله - في مرقدك ..
طبت حيًّا وميتا ...
نور الله قبرك، وعطر مشهدك، وطيب ثراك، وجعل الجنة مأواك.
1 comment
متعب الكعمور الحُريري
05/28/2021 at 4:43 م[3] Link to this comment
أسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة
كم تمنيت أني عرفتُ هذا الرجل الملهم عن قرب