للمرة ربما الثالثة وخلال مسيرتي الكتابية أشير إلى هذا الموضوع المهم في حياة الكاتب وصدقه مع نفسه وأهله ومجتمعه وكل ما يتناوله وذاك من باب التذكير ، أكثر من أربعة عقود ونصف مضت ونحن نركض عبر دهاليز صاحبة الجلالة بين فكرة واردة أو رأي مطروح أو إشادة مستحقة أو نقد القصد منه الصالح العام . واضعين نصب أعيننا بالمقام الأول مخافة الله ثم مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ولا شك أن من أولويات مصالح الوطن طاعة ولي الأمر وقول كلمة الحق والإيمان بأن كل منا صغر منصبه أو كبر هو على ثغر من ثغور هذا الكيان الشامخ بدينه وقيادته وشعبه ، وعليه أن يحرص أن لا يأتي وطنه مكروه عبر هذا الثغر.
خلال تلك العقود لم نغب عن الركض أسبوعا واحدا وعن التواجد الفكري حبا في إحياء سنة أن نقول ( لمن أحسن أحسنت ) ونشترك من قصر بالتنبيه الراقي الذي يصب بالتالي في خدمة الصالح العام كما أشرت بعاليه.
حرصت خلالها أن لا أشيد بلغة التطبيل أو أن انقد بلغة الانتقاد لذلك ولله الحمد لم أتلق يوما ردا يخالف حقيقة ما أكتب إلا في القليل القليل مع ذلك ؛ لأنني كنت متأكدا مما أكتبه فقد كنت أتناقش مع من يعترض حتى تبان له الحقيقة ويعتذر والشواهد حية وموثقة.
فيما مضى كان الكاتب يطرح رأيه خصوصا إذا كان نقدا بتحفظ ومع ذلك قد يكون الرد بعد أشهر ويكون الموضوع بحكم التقادم قد أصبح في عالم النسيان وتنتهي الأمور كما يقال ( وكأن شيئا لم يكن)
اليوم ومع وسائل الاتصال والتواصل وتنوعها لو أقدم الكاتب على إشادة مبالغ فيها إلى درجة التطبيل فإن سرعة الرد ستكون حتى من العامة قاسية وقوية عبر وسائل الاتصال والتواصل بنشر ما يفضح تطبيل هذا الكاتب أو ذاك . سواء بمقالة مضادة أو مقاطع مرئية أو تغريدة صارخة أو صور تكشف عكس حقيقة ما ذكره ذلك الكاتب ، وعندها تكون الإشادة قد تحولت إلى محاكمة لكن من هو الحكم ومن هم الخصوم ؟؟!
فاليوم لا تستطيع الإشادة مثالا بجهود أي مرفق وأنت ترى أن ما على الأرض يخالف حقيقة الإشادة رغم أنه كان بإمكان موظف في أي مرفق من الكبس على أيقونة وأن يكتشف عبر الجهاز الذي أمامه حقيقة ما يطرح ويصحح الوضع تدريجيا لا تسويفا وتراكمية مما يصعب معها إيجاد الحلول وتكثر التعقيدات.
واليوم لا تستطيع أن تشيد بمرفق "ما" لأن هنالك كما أشرت سابقا وفي نفس اللحظة من سيقدم لك صورة أو مقطع يدحض إشادتك وأن هنالك تنفيذ مشاريع متعثرة وبكثرة ، وهنالك مشاريع سلمت لكنها سيئة التنفيذ ومشاريع ذات العمر القصير .
الحقيقة التي لابد من ذكرها وشكرها أن مساحة الحرية في الإعلام اتسعت. فهل يشيد في زمن لن يسمح بالتطبيل بل زمن يراه تغريرا ؟! أم يقول الحقيقة فيعتقد الآخرون أن الكاتب غير متفائل ، وهذه حقيقة نظرة من لم يعايش الواقع ويؤمن بأن العالم أصبح فعلا قرية مكشوفة للعيان من أقصر تبة تأمل يرتقيها.
لذلك فلن يضيع الكاتب سنوات ركضه لكي يكون مساهما في التقصير ومواكبة الفساد الذي كنا نحذر منه وكان يضرب معظم مواقع الإنتاج فتعطلت لغة الكلام كما تعطلت عجلة المشاريع لذلك لا عيب إذا قلت من قبل بصوت مسموع (عفوا عاجز عن التطبيل).