هل سبق لك أن قمت بطرح فكرة تعلم بكافة تفاصيلها، ثم دار حوار حولها وتعددت الآراء ووجهات النظر بين مؤيد ومعارض، وأختلف الجميع حول تأويل الفكرة محل الحوار وكلٌ يرى الأمر من زاويته.
إلى هنا والأمور تسير بطريقة طبيعة، فمن المستحيل أن تتفق جميع الآراء حول موضوع واحد. فالاختلاف يعطي الموضوع توهجا أكبر، بالإضافات التي يطرحها المتحاورون عن الموضوع.
.
إلا أن الموازين تنقلب رأسًا على عقب، بوجود شخص يريد أن يطيح بهذه الفكرة أو الرأي، لمجرد فرض رأيه، أو تعدِ على صاحب الفكرة لغرض في نفسه، وهنا تأتي المعضلة عندما يواجه برأي يطيح برأيه من خلال طرح البراهين وقوة الأدلة، فمسافة التنازل لدى البعض أنفاسها قصيرة، ليتحول الحوار من طرح ومناقشة الأفكار إلى طرح ومناقشة الأشخاص والاحتجاج عليهم.
.
فالمحاور المتربص يعمد إلى حرف مسار الحوار عن صلب الموضوع، عن طريق التهجم على شخصية الطرف الآخر والسّب والتهكم والسخرية منه، بالبحث عن نقاط ضعف لديه كشخصية، والضرب عليها.
وبعض ضعاف الشخصية، أو من يضمرون في داخلهم العقد النفسية والحقد والحسد، يبني حواره على ذات الشخص لا على عقله وفكره وتجارب حياته.
.
والجدير ذكره والمعروف لدى أهل العلم أن الاختلاف بين الأشخاص أمرٌ صحي، ومطلب أساسي للحياة في جميع جوانبها ومجالاتها، إلا أن الذي يفصل في الأمر هو الأسلوب والطريقة، التي يُعبّر فيها كل طرف عما يجول في خاطره، وما يطرأ عليها من فكر "شاذ" وخارج عن طبيعة الحوار.
.
من المهم أن نعرف أن الجهل أحد الأسباب الرئيسية في "شخصنة الحوار" وعدم التعمق في صلب الموضوع، لأنّ الجاهل لا يدرك خطورة تجسيد الفكرة أو محورتها، حول إنسان يصيب ويخطئ ويعتريه النقص، ولا تُؤمَن فتنته وحتى كونه معرض للضلالة والنسيان.
فهناك من يتبع الفكرة -مثلاً- لمجرد صدورها عن إنسان يعجبه ويهواه ولو كان جاهلا.
.
ومن المهم أن نعرف أن "الشخصنة" سلوك سلبي يجعل الأشخاص في تصادم بعيد عن المنطق والانصاف، فنحن من خلال حواراتنا لا نريد أن نحلق في فضاء الشخص المتعلق بجنس أو لون أو قبيلة، ونترك فضاء عقلة.
وبعيدًا عن العنصرية القبيحة يجب أن لا نضع أي رأي لأي إنسان تحت المشرط، أو تحت حدة السيف بناء على خلفيتنا عن شخصه.
.
لا بد أن ننتقل إلى مناقشة عقل القائل وفكرته لأن هذا هو أصل النّقاش ومبدأه و به تتغير ثقافة المجتمع نحو الأفضل والأرقى .. وليكن نقاشنا مع أصحاب الآراء المخالفة بناءً على الرأي فقط، فذاك مما يدلل على نضج فكرنا، ولابد أن نفطن لما وراء كلام القائل والمغزى منه فقط. دون الحفر في عمق شخصيته من أجل العبث بفكرته وانهائها.
وحقيقة بعض النقاشات تذكرني بالمثل الصيني القائل "أنا أشير إلى القمر والأحمق ينظر إلى أصبعي" .. وهذا ينطبق على واقع بعض حواراتنا في المجتمع العربي "بشكل عام"
.
فعندما يُبدي أحدُهم رأيه في موضوع معين نجد أن البعض لا ينظر لجدوى الكلام وفائدته، ولا يدرك ما يقال بعقله،
وإنما ينظر إلى من قاله، وقد غيّب وعيه بنفسه !!
فالشخص هنا لا ينظر إلى القمر وجمالة وضوئه "والقمر هنا بمكانة الرأي"
إنما ينظر المحاور الأحمق إلى الأصبع (والأصبع هنا بمكانة الفرد) ..
الشخصنة سلوك سيئ يؤدي لبروز سلوكيات التعصب للرأي والعنصرية والتمييز. والتعلم منذ الصغر والتدرب على ثقافة الحوار واحترام الطرف الآخر ووجهات النظر وتبادل النقاش بأسلوب هادف بعيداً عن الشخصنة، حتى لو اختلف مع الآخرين، هو تأسيس صحي في جوانب الشخصية يؤدي إلى سلوك حميد في الكبر، وتهيئة المجتمعات لحوارات فكرية راقية بعيدًا عنما يحدث الآن، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي وصلت ذروتها في شخصنة الأفكار والمواقف.
مما يجعلنا نتطلع إلى وجود مناهج مبنية على أساس الحوار الصحيح، والذي لم يغفل عنه ولاة الأمر -حفظهم الله- ولعل تأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خير شاهد؛ نظراً لما يشكله من أهمية في بناء ورسم ثقافات الشعوب
.
ولا نغفل دور الأسرة والمدرسة في بناء تلك الثقافة؛ كذلك خطباء المساجد القادرين على بناء هذه الثقافة ويعتبرون مصدر للتغيير والتنشئة الاجتماعية.
وأشير إلى ضرورة نشر ثقافة الاختلاف وآدابه بين الناس، والتي من أهمها التركيز على الموضوع لا الأشخاص، وتقييم الفكرة قبل نقدها.
7 comments
Skip to comment form ↓
مهناء الدوسري
06/14/2021 at 7:51 م[3] Link to this comment
كلام جميل وراقي من اديبةوكاتبة راقية في اسلوبها ومتمكنه من قدراتها الى الامام بنت الريف الاستاذه /فاطمة الدوسري?
فاطمة الدوسري
06/15/2021 at 4:51 م[3] Link to this comment
شكرًا لمرورك الكريم وتعليقك أ.مهنا،
حفظك الله.
غير معروف
06/15/2021 at 5:03 ص[3] Link to this comment
كلام من ذهب يخاطب العقول وياسر القلوب سلمت اناملك ( بنت الريف )والى مزيد من الابداع بارك الله فيك
إبراهيم البازقي
06/15/2021 at 6:08 ص[3] Link to this comment
مقال جميل وطرح سلس ومترابط في وحدة بناءه كل سطر فيه يجبرك على قراءة مابعده
شكرا لهذه الكاتبة الرائعة وارجو لها الاستمرارية من خلال إشراق لايف.
فاطمة الدوسري
06/15/2021 at 4:53 م[3] Link to this comment
بوركت أخي الكريم،شهادة أعتز بها حفظك الله
غير معروف
06/15/2021 at 6:44 ص[3] Link to this comment
سلمت يمينك بنت الريف
غير معروف
06/16/2021 at 1:08 ص[3] Link to this comment
كلام جميل من اديبه راقيه كل الاحترام والتقدير لك استاذه فاطمه الدوسري