الجفاف العاطفي حالة تيبس تشل أطراف العائلة والمجتمع، ويتسبب في حالات التشنج والتعامل بقسوة بين الأفراد.
من أبسط الأمثلة لهذا السلوك ما يصدر من بعض الأشخاص على الرصيف،
في السيارة‘
في طابور ما.
عند أول احتكاك مع الآخر!
تنشأ حالة تشنج فورية تؤدي إلى نشوب الشجار بينهما لفظيًا أو رمزيًا بطريقة عنيفة فجة، تعطينا ملامح نستطيع قراءتها بوضوح.
هذه الفراغات العاطفية تحتاج لتعبئة!
لأن هذا الانكشاف له خطورته على الفرد والمجتمع!
ولأن الجفاف العاطفي يؤثر على المدى البعيد على الشخصية، إذ يصبح الفرد شخصية غير متزنة ليس لديها أي قدرة على العطاء، ولا تمتلك الحس الإنساني، ومن المؤكد أن سببه التنشئة في بيئة لا تملك القدرة على التعبير، وغير معطاءة في المشاعر، ويعم علاقتها الفتور.
وقد نجد في هذا الحديث الشريف إحدى صوره: يقول عليه الصلاة والسلام لما قبَّل الحسنَ بن علي بن أبي طالب، وهو ابن ابنته فاطمة رضي الله عنها، وكان عنده الأقرع بن حابس أحد رؤساء بني تميم، فقال: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فقال له النبيُّ ﷺ: مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ.
وذكر أحد الرجال والذي لم يعتد على الإطلاق على عناق أطفاله أو تقبيلهم، بالرغم من أن أبناءه أغلى عليه من نفسه، ويحبهم بطريقة لا توصف ومستعد لعمل المستحيل لأجلهم. إلا أنه كان يكتفي بترجمة حبه من خلال ما يفعله من أجل أبنائه وما يسعى لتحقيقه لهم من ماديات الحياة، حتى بات يفكر في ضرورة التعبير عن مشاعره لهم، بعدما لفت انتباهه للأمر ابنه الصغير، الذي راح يشكك في حبه، ويقارنه بوالد صديقه الذي يضمه يومياً عندما يقوم بإيصاله للمدرسة ويقبله عندما يأتي لاصطحابه للبيت.
وهذا يبرز لنا أن أي جفاف في المشاعر لدى الشخص يعود سببه الى التنشئة الأولية في بيته، التي تجعله شخصا لا يحسن التعبير عن أحاسيسه بصورة تلقائية طبيعية، فالحاجة إلى التعبير والسماع للمشاعر هي حاجة مهمة موجودة لدى كل الأشخاص دون استثناء. وهي عملية متبادلة، ومن المهم جداً أن تكون بين الأم والأب ليكونوا هم النموذج والقدوة للأبناء.
أما عندما يحل الصمت ضيفا ثقيلا على مائدة الزوجين وعندما تذبل المشاعر بينهما والانعزال، وتبدأ مرحلة الجفاف العاطفي والدخول في هذا العالم الميت بلا أحاسيس أو نبض مشاعر، لا شك أن للأمر انعكاس على جميع أفراد الأسرة بصورة ما.
الحياة المادية وترفها لا يكفي، وهذا ما نجيد فعله ونتوقع أنه الصحيح.
فالإشباع العاطفي ضرورة، للثقة بالنفس ومرادفاتها.
ومن الأهمية أن يُعلم الأهل أبنائهم وأن يربوهم في بيئة تشعرهم بدفء المشاعر وتدفق العاطفة حتى يعتادوا على ذلك، فالبعض تعلموا منذ الصغر أن التعبير عن المشاعر ينتقص من هيبتهم خاصة الرجال، وهذا الأمر يكبر عندهم ويخلق هذا الجفاف.
فالإنسانية قائمة على كتلة من المشاعر والعواطف -والمكونات الأولية للإنسان عبارة عن جسد وروح - تشكلان قناة أساسية للتواصل بين الجنس البشري يؤثر بها ويتأثر. والنقص الحاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد هي إحدى المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة في المجتمعات بسبب الجفاف العاطفي.
الأبناء من كلا الجنسين في مرحلة المراهقة لهم متطلبات خاصة، وبحاجة إلى من يتواصل مع فكرهم وعاطفتهم بصورة خاصة، الكلمات المؤثرة وعبارات الدلال والمدح تتيح للأفكار الجميلة بالبروز، وتمهد لعلاقة عاطفية قوية بين أفراد الأسرة، وتلبي احتياج الأبناء في هذه المرحلة الحرجة، وتربي فيهم سلوك اللطف واللين والتراحم وتقدير مشاعر الأخرين.
كم أم تحتضن أبنائها بعد أن تجاوزوا العاشرة خاصة الأولاد؟ .. وكم أب يفعل ذلك في الأيام العادية...؟
المشاعر العاطفية تولد المحبة والسلام والرضا عن النفس والثقة، وتشيع الود بين البشر، نتطلع إلى أرواح مبللة لا تشكو التصحر والعطش أو الجفاف.
"ولا ننسى أن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم". ولن يستطيع ذلك إلا من ارتوى.
1 comment
د. حصة محيَّا الحارثي
07/27/2021 at 5:49 ص[3] Link to this comment
سلمتِ أ. فاطمة الدوسري وسلم قلمك ووعيك بأهمية العلاقة بين الطفل ومحيطه الأسري وخطورتها في تنشئته تنشئة سليمة طبيعية أو العكس.