لعل من بين قراء هذه السطور، من يتذكر البرنامج التلفازي (أيام الأبيض والأسود)، (من كل بحر قطرة) للإذاعي سامي عودة، في التلفزيون السعودي.
.
في كل الأحوال، وكما ترون فإنني قد قلبت الجملة في عنوان هذا المقال، وجعلته (من كل قطرة ... بحر) ولي في ذلك حيثياتي، التي أظن أنها وجيهة، فالبحر يبدأ بقطرة، والشجر ينهض من بذرة، وتلك مقولة سمعتها من صديق لي مثقف ودائم الابتسامة، بل إن النكتة تجري على فيه جريان الماء في الجدول.
.
ودائماً ما كان يقول لي وهو يبتسم، وفي ثنايا ابتسامته كنت أحس بنصيحة يضمرها لي، لكن من دون تصريح .. فقط بطريقة التلميح الذكية، التي هي من مزايا بعض الناس، وهي مما نغبطهم عليها ...
ولعل صديقي ذاك من غير المؤمنين بفلسفة - الوعظ المباشر.
.
هو يقول: إن له صديقًا دائم العبوس وكثير القنوط والتوجس، كأنه لا يريد أن يفرح أبداً، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يقال.
إن شرّق الناس غرّب، وإن غرّبوا شرّق، حيزٌ صغيرٌ بين يديه هو الصحيح، وكثيرٌ جدًا أمامه غير صحيح، حتى لكأنما يريد أن يقتل نفسه بذلك التضييق.
.
بينما يرى آخرون أن من الحكمة أن تفرح عندما تهب من حولك رياح فرحٍ، حتى وإن كانت خفيفة.
وأهلنا في جنوب المملكة توارثوا مثلا شعبيًا دارجا يقول: (خذ بحزّة السعد – حدها؟) .. ومؤداها أنه إذا حضرت لحظة السعادة فعشها كاملة وتمتع بها.
وتلك من حكم وحكمة الأقدمين، ومن تحريضهم للناس على إشاعة مناخات البهجة.
وأظن أن من أطلق تلك المقولة قد عاش خفيفا نظيفا، "اراح دماغه"، بعد أن تنكب الطرق الموصلة للكآبة، وما تورثه من بواعث للسكري والضغط ....الخ.
.
والواقع أن للوعي دور مهم في هذه المسألة، ولذلك تجد أن ضيقي الأفق هم من يختزل بهجة الحياة في ركن صغير، بينما أهل الوعي والثقافة يتمددون في مساحات أوسع من الأريحية.
.
وثمة من المنظرين من عرّف المثقف على أنه (ذلك الشخص الذي يأخذ من كل شيء بطرف).
وفي هذا التعريف دعوة مبطنة ذكية للإقبال على المعرفة، كطريق ممهد نحو حياة أفضل.
وهذا ليس عسيرًا في هذا الزمن - تحديدًا، بعد أن وفرت تقنية "الأنترنت" كل أسباب لا أقول التعليم بل التعلم .. وصار كل أحد منا مطالب بأن "يشتغل على نفسه" كثيرًا، بما يُعرف بالتثقيف الذاتي.
.
بحيث كل يوم "قطرة" ...
ثم بعد فترة ستجد نفسك نهرًا، بل ربما بحرًا من المعرفة.